Translate

الخميس، 14 سبتمبر 2023

قصة : إجراءات.. بقلم / مصطفى الحاج حسين.

 

قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏ابتسام‏‏
* مصطفى الحاج حسين.
قصة : إجراءات..
أعلنت وزارة الترببة مسابقة لتعيين مدرسين للّغة العربية ، فسارع " تحسين " وقدّم أوراقه .. لقد مضى على تخرّجه سنتان وهو دون عمل .
كان عليه أن يخضع لفحص المقابلة في العاصمة ، وحينما عاد كان متفائلاً ، لأنّ اللجنةالفاحصة سرّت من أجوبته ، ومما ضاعف من سروره ، إعجابها بقصيدته التي ألقاها على مسامعهم .. ذلك أنّ " تحسين " شاعر مشهود له في مهرجانات الجامعة .
بعد أيام جاء شابان إلى الحارة ، وسألا عن اتجاه " تحسين " السياسي وسلوكه الشّخصي وعائلته .
فأسرع السٌمان " أبو علي " وكعادته في المبالغة ، أضف إلى كرهه ل " تحسين " ، قال :
- أستاذ " تحسين " .. لحظة من فضلك .
توقف " تحسين " عن السّير ، بينما كان " أبو علي " يخرج مسرعاً من دكانه :
- أهلاً .
- سألوا عنّك اليوم .
- سألوا عنّي .. من هم ؟!.
- رجال المخابرات .
امتقع وجه " تحسين " واضطرب صوته ، واتّسعت في عينيه الصّغيرتين إشارة استفهام كبيرة :
- المخابرات سألوا عنّي ؟! .. لماذا
؟!!.
ولمّا أدرك السّمان أنّه سيطر على " تحسين" ، الذي يعامله باستعلاء دائماً ، ولا يشتري من دكانه ، قال بتلذذ :
- سألوا عن اتجاهك السّياسي !!! .
انبثق الذّعر كعاصفةٍ في أعماقِ تحسين.. ارتجف كيانه ، لم يعد يتمالك نفسه ، فحوّل الكتب التي يحملها إلى يده اليسرى ، وقال بصوتٍ مرتعش :
- وماذا قلت لهم يا " أبو علي " ، أرجوك طمئني ، شغلت بالي ؟؟.
وجاء درو " أبو علي " ليبالغ ويكذب كعادته دوماً :
- والله يا أستاذ ' تحسين " ، قلت بحقك كلاماًجميلاً ، أخ لا يقول عن أخيه مثل هذا الكلام .. نحن أخوة يا رجل ، حتّى وإن كنت لا تشتري من عندي .. ماذا تريدني أن أقول ؟ أمن الممكن أن أتفوّه بكلمة تؤذيك ، وتقودك إلى السّجن ؟!.
غارت الأرض من تحت قدميّ " تحسين" ، وردد مستنكراً :
- السّجن ؟! .. ماذا تقول يا " أبو علي " ؟! .. هل أنا مجرم ؟! .. أنا لا علاقة لي بالسياسة.
ضحك " أبو علي " بخبث ، وسدّد نظرته التي يعتقد بأنّها ذكية :
- أنتم الأساتذة لا أحد يقدر عليكم ، كلكم تدّعون البعد عن السّياسة ، لم أسمع من يعترف بعلاقته بها ، مع أنّه قد يكون من أكبر السّياسيّن .
ثمّ كرر ضحكته الخبيثة :
- معلوم أستاذ " تحسين " ، هذه سياسة وليست لعبة .
لام نفسه بشدّة لأنّه لم يكن يشتري من دكان " أبو علي " :
- أبو علي .. أنا فعلاً لا علاقة لي بالسياسة .
- الله أعلم .. وعلى كلّ حال خذ احتياطاتك، الحذر واجب .
وانتبه " أبو علي " على زبون يقف أمام الدّكان ، فانصرف دون استئذان .
دخل المنزل . نادته أمّه ليشاركهم العشاء :
- لا أريد .
ودخل غرفته ، أغلق الباب ، استلقى على السّرير ، أشعل سبجارة ، وراح يفكّر :
- لماذا يسألون عنّي ؟.. ما الأمر !!! .. ما علاقتي بالسياسة ؟! .. وأنا لم أتدخل بها إطلاقاً !! .. وما قال " أبو علي " عنّي ؟! ..
كلّ أهل الحارة يعدّونه مخبراً ، اللعة عليّ يوم قررت عدم الشّراء من عنده .. هل هناك شبهة تدور حولي
؟؟!! .. آه ... نعم .. نعم ..أصدقائي هم السّبب ، لا حديث لهم سوى السّياسة .. عدم توفر فرص للعمل .. استحالة الزواج في ظلّ هذه الظروف المعيشيّة .. غلاء الأسعار .. فقدان المواد التّموينيّة .. الحرّية .. الدّيموقراطية ..تكافؤ الفرص ...
رجوتهم كثيراً أن يتركونا من هذه الأحاديث ، التي لا تجلب لنا إلاّ الدّمار .. هل أخطأت ؟! .. وتفوّهت بكلمة تمسّ الدّولة ؟!.
ولكنّي حذر في هذه الأمور .. لا أثق بأي مخلوق على وجه الأرض ، فأصارحه بحقيقة مشاعري نحو السلطة ، لم أفقد أعصابي مرّة واحدة ، دائماً أنا يقظ ، منتبه ، حريص إلى أبعد الحدود .. ترى هل يكون " جمال " مخبراً ؟؟!! .. يجرجرنا بالكلام ويبلّغ عنّا ؟!..
يجب أن أحذره ، بل ينبغي أن أحذّر أصدقائي منه ، بل عليّ أن أبتعد عنهم ، فما نفعي من صداقتهم ؟؟!! .
نهض ينادي شقيقته ، طلب إليها أن تعدّالشّاي ، عاد إلى السّرير ، يدخّن مفكّراً :
- لكنّ المشكلة الآن ليست بأصدقائي
بل اللذين يسألون عنّي .. ماذا لو جاؤوا وأخذوني ؟!.. ثمّ ماذا
لو عذّبوني ؟؟!! .. أنا لا أحتمل الضّرب .. منذ طفولتي وأنا أخافه، كنت أدرس فقط خوفاً من عصا الأستاذ .. وخرطوم أبي .. سأعترف بكلّ شيء قبل أن يضربوني ، سأقول الأحاديث التي دارت بين أصدقائي ، لن أتستّر على أحد ، كلّ واحد منهم مسؤول عن كلامه .. أنا لا علاقة لي بالسياسة .. منذ شاهدت جارنا " أبا محمد " مكبّلاً قررت نسيانها .. ماذا جنى جارنا غير الدّمار ؟!.
تنبّه إلى رنين جرس المنزل ، انقطعت خواطره ، ووثب قلبه خارجاً :
- جاؤوا ليأخذوني ..
قرأ على روحه سورة الفاتحة .. انكمش على نفسه .. تراجع .. التصق بالجدار .. بحثت عيناه عن مخبأ .. قفز عن السّرير ..الهلع يسيطر عليه .. اقترب من الباب بحذر شديد ، تصاعدت دقات قلبه ، مع انبعاثِ الرنين مرّة أخرى :
- رباه أنقذني أرجوك .. بحقّ نبيك محمّد .. أنا لا علاقة لي بالسياسة .
عينه القلقة على العين السّحرية ، أبصر شقيقه الصغير ، تنفّس الصعداء ، حمد الله كثيراً ، فتح
الباب وعاد :
- من أين جائتني هذه المصيبة ؟! .. خائف أنا ، طالما أنّهم سألوا عنّي ، فهم لا بدّ سيداهمون البيت ، عليّ
أن أتوقّع ذلك عاجلاً أم آجلاً ، وبنبغي أن أرتب كلّ شيء ، أقوالي، أفكاري ، شخصيّتي ، بجب أن أكون
قوياً أمامهم ، متماسكاً .. والواجب أن أبلّغ أهلي حتّى لا يفاجأوا .
نهض وغادر غرفته ، جلس بجوار أبيه ،الذي يشبهه إلى حدٍ كبير ، لولا فرق السّن .
قالت الأم ، التي لا تختلف عن " تحسين"وزوجها في القصر والبدانة :
- هل أحضر لك العشاء ؟.
- لست جائعاً .. لا أشعر برغبة ..
سأل الأب بصوته الأجش :
- مابك اليوم ، لماذا تحبس نفسك في الغرفة ؟.
- عندي خبر سيء ، أودّ نقله لكم .
الأم :
- خير إن شاء الله ؟؟؟!.
قاطعها الأب بانفعال :
- دعينا نسمع .
حاول أن يكون هادئاً ، كي لا تكون المفاجأة كبيرة ، واختفت بسرعة أصوات أخواته وحركاتهم :
- اليوم سأل عنّي رجال المخابرات ، في الحارة .
- المخابرات ؟؟؟!!! .
هكذا انفلتت هذه الكلمة من الجميع
- سألوا عنّي السّمان " أبو علي " .
سألت الأم وقد بدأ الخوف يسيطر عليها :
- وماذا يريدون منك ؟!.
- يسألون عن اتجاهي السياسي .
- وما هو اتجاهك السياسي ؟ .. هل أنت مختلف عنهم ؟!.
- أنا ياماما لا اتجاه لي .. أنا حيادي .
قال الأب ، وفي صوته بعض الاضطراب ، وهو يحاول جاهداً أن يخفيه :
- جاء اليوم الذي كنت أخشاه .
- بابا أنا لم أفعل شيئاً ، يمكن أن يحاسبوني عليه .
- يكفي أنّك حيادي ، هذا أهم مأخذ عليك .
- أرجوكم ليس هذا وقت اللوم ، عليكم أن تتوقعوا حضورهم إلى هنا .
ذعر الجميع ، وصاحت الأم بحرقة :
- يارب من أين جاءت هذه المصيبة ؟!.
عاد إلى غرفته ، مخلفاً أمّه وأخواته يشهقن في البكاء ، بينما كان أبوه غارقاً في صمته .
جلس على حافة السّرير ، أشعل سيجارة وأخذ نفثاً عميقاً ، وفجأة اصطدمت عيناه برفوف الكتب ، وفكّر :
- المكتبة .. إنها تشكّل خطراً عليّ ، صحيح هي لا تحتوي كتباً سياسية ، لكن ما يدريني كيف تفسر الأمور
؟.. ينبغي اخفاء المكتبة ، ولكن أين ؟.. الكتب كثيرة ، واخفاؤها في البيت مستحيل ، وإيداعها عند الجيران غير ممكن ، وعند الأصدقاء ضرب من الجنون ، فأنا لم أعد أثق بأي صديق كان ، ومن المحتمل أن يكون بيتنا مراقباً ، بل ذلك في حكم المؤكد ، فما أدراني ... قد يكون " أبو علي " مكلّفاً بمراقبتي ؟ .. ليس أمامي إلاّ حلّ واحد ، نعم واحد لا غير .. وهو احراق المكتبة .. فالكتب غير مهمّة ، مهما كان ثمنها ، سلامتي هي الأهم .. فيما بعد ، إن خرجت من هذه الأزمة ، سأبكي على كتبي كثيراً .
وبسرعة .. ودون تردد ، نهض " تحسين"وحمل بعض الكتب ، واتّجه إلى الحمّام ، أوقد الطّباخ ، وأخذ يمزّق الأوراق ويدسّها للنار ، إلى أن أحرق جميع مالديه من كتب ، لم يبق عنده سوى كتب الدّبلوم الذي يدرسه ، وأحرق أيضاً كلّ مالديه من أوراق ورسائل خاصة ، وصور تجمعه مع أصدقائه ، ودفاتر كثيرة ، تحتوي على قسم عظيم من قصائده ، التي كتبها على مراحل عديدة ، وحين سألته أمّه عن سبب احراق مكتبته ، قال دون أن يلتفت إلبها :
- قد تكون خطرة في نظرهم .
وبينما كان يهمّ بالدخول إلى غرفته ، رنّ جرس المنزل ، وأسرع الجميع مذعورين إلى العين السّحرية ، من يكون في هذا الوقت المتأخر من الليل ؟؟!!.
- إنّه رجل !!! .
قالها بصوت مرتعش ، خائف .
وعندما رنّ الجرس مرّة أخرى ... اقتربت الأم بجزع ، لتنادي من وراء الباب :
- مَن .. مَن ؟؟؟ !!؟؟!! ....
أجاب القادم :
- أنا .. أنا جاركم في الطابق الرابع .
سألته ، والكلمات تخرج بصعوبة من حلقها الجاف :
- ماذا تريد يا أخي ؟؟ !! .
- بسبب حمّامكم .. الدّخان أعمانا وخنقنا .
قالت الأم بعد أن استردت أنفاسها ، وكلّ من معها من أفراد الأسرة ، بما فيهم " تحسين ":
- حاضر يا أخي ... لقد أطفئنا الحمام ، قبل قليل .
كلّ ذلك والأب قابع في الصالون ، يسترق السّمع بانتباه شديد ، والعرق البارد يتسرّب من جميع أنحاء جسمه .
عاشت الأسرة تحت كابوس الخوف والذّعر الشديدين ، فما من حركة تصدر ، إلاٌ سمحت الأم لنفسها بالبكاء ، متوقعة قدومهم لآخذ " تحسين " فلذة كبدها .
وبعد أن غرق البيت في الظّلام ، وسبح كلّ واحد في خوفه منفرداً .. فكّر تحسين :
- لم يبق عندي أثر يدلّهم على شيء ، أقوالي جاهزة ، إنٌي جاهز .
وبرقت في ذهنه فكرة جهنّميّة :
- سأكتب بعض القصائد في مدح الرئيس ، سأمجّده .. وأسمّيه عظيم الأمة .. وصانع الانتصارات ، وسيّد العرب والمقاومة ، وأضع القصائد هذه ضمن دفتر أشعاري ، وعندما سيطّلع عليها المحقّق ، سيعتذر منّي ، ويقدرك مدى فداحة الخطأ المرتكب بحقّي ، ويعاقب" أبو علي " على كذبه ، وشهادة الزّور التي كادت تقضي عليٌ .
نهض من سريره ، أشعل الضّوء ، أحضر دفتراً وقلماً ، وكتب :
- (( في المساء ..
يد الرئيس تهدهد أجنحة الشّمس
وبراحة كفّه المباركة
يزيل الغبار عن جبهتها
يسقيها من حليب روحه
ويطهّر بدنها اللدن
من صناببر نوره
يد الرئيس بيضاء
تكفّن شهداءنا
تزيل الدّم عن أحلامهم
وتثري عويل اليتامى
في الشتاء يد الرئيس تقبض على الغيوم
وتمطر فوقنا
زخات من وعود
فتبعث في حقولنا قامات من صمود
ليس فيها إلاّ الرّعود
فتزهر على جباهنا
آيات السّجود
فويل .. ثمّ ويل
لمن بانت على سحنته
علامات الجحود .)) .
وبعد ساعتين صاغ عدداً من القصائد ، ووضع تحت كلّ قصيدة تاريخاً قديماً ، لكي يوهم المحقق بأنه من محبي الرئيس ، حتى أنه نوع بالأقلام لتنطلي الحيلة .
وهكذا تسرّبت الطمأنينة إلى نفسه بعض الشيء ، فأسرع إلى سريره علّه يستطيع النوم ، ولم تمض دقائق على غفوته ، حتّى استيقظ مذعوراً ، فقد شاهد حلماً غريباً وحين حاول أن يتذكّره ، وجد نفسه لا يذكر سوى وجه السّمان " أبو علي " ، وابتسامته المقيتة ، حاول أن يعود للنوم فلم يفلح ، فقرر أن يكتب بعض الأغنيات ، عن السيد الرئيس ، ليكسب ثقة المخابرات .. فنهض وعاد إلى دفاتره ، كتب العديد من الأغاني ، إلى أن شعر بشيء من الأمان .. فتوقف عن التأليف ، وقال في نفسه :
- غدا صباحا سأذهب وعلى الفور ، إلى أقرب مكتبة ، وأشتري أجمل وأكبر الصور لسيادته ،وكذلك ينبغي
أن أحضر بعض الأعلام .. وبهذه الطريقة ممكن أن أنجو منهم .
وظل على هذا الحال إلى أن بزغ الصّباح .
خرج من المنزل ، ليبحث عن مكتبة ، فتحت بابها ، وما إن وضع قدمه في الحارة حتى لمحه السّمان " أبو علي"
فناداه :
- أستاذ " تحسين " لحظة من فضلك .
وما إن توقف ، وشاهد السّمان خارجاً من دكانه ، ترتسم على وجهه الابتسامة ذاتها التي رآها في المنام ، حتى غذّ السّير ، غير عابئ بصراخ السّمان خلفه .
تناهى إلى سمعه وقع أقدام مستعجلة ، خلفه ، فشعر بالضيق والخوف ، في البدء لم يجرؤ على الالتفات ، ثمّ تشجّع ، فتراءى له السّمان يمشي خلفه ، فأسرع في سيره ، وعلى بعد خطوات ، وجد منعطفاً نحو اليمين فسلكه ، والمذهل أنّه خيّل إليه أنّ السّمان يتعقّبه ، فتيقّن أنٌه يراقبه ، فعبر بسرعة أوّل منعطف صادفه ، وأخذ يركض .
ركض أول الأمر بحياء ، ثمّ التفت ، فظنّ " أبو علي " راكضاً خلفه ، فأسّرع في ركضه، دخل أزقة لم يعرفها ... وحين أحسّ أنّ سترته تعيق ركضه ، خلعها ورماها وراءه ، أدار رأسه ، فتوهّم أشخاصاً يشاركون السّمان ملاحقته ، فزاد من سرعته ، راح يلهث ، وكلّما أدار رأسه ، اعتقد أن عدد المطاردين يتضاعف .
فجأة .. علت الأصوات خلفه ، ومن حوله ارتبك أكثر ، حين انضمّ إلى الأصوات ، صوت فرامل سيارة ... وحاول أن ينتبه ، أن ينقذ نفسه ، أن بتفادى الصّدمة ، أن بتوقف ، يتراجع ، ينجو ... لكنّ الوقت فات ... فقد أصبح كتلة لحم ، تحت العجلات .
بعد أيام ...
أعلنت نتائج مسابقة وزارة التربية ، وكان الخبر مثار ألم فظيع لأهله وأصدقائه ، حين عرفوا أنٌ ترتيب " تحسين " ، كان الأوّل على زملائه .
مصطفى الحاج حسين .
حلب..
قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏ابتسام‏‏

الأرضُ تمورُ بقلم : أحمد رسلان الجفال

 

قد تكون صورة ‏تحتوي على النص '‏حد حداد A‏'‏

الأرضُ تمورُ

عجزَ الكلامُ وخاننِي التَّأويلُ
جلَّ المصابُ والدِّموعُ تسيلُ
تلكَ المنازلُ أُطفئِتْ أَنوارُهَا
تحتَ الرَّكامِ وما إليها سبيلُ
الأرضُ مادتْ تحتنا وتزلزلتْ
في كلّ ركنٍ صرخةٌ وعويـلُ
الكلُّ يصرُخُ يا إلهي ما جرى؟
خَطبٌ ألمَّ على الأنامِ ثقيـلُ
في هدأةِ اللَّيلِ دهتنا هــزّةٌ
حارتْ نفوسٌ بعدها وعقولُ
رحلَ الأحبَّةُ ليتني ودّعتُهم
مضنىً فؤادي بعدهُم وعليلُ
غفرانكَ اللّهمَّ يا ســـــنداً لنا
في النّازلات لنا نعمَ الوكيـلُ
بقلم : أحمد رسلان الجفال
قد تكون صورة ‏تحتوي على النص '‏حد حداد A‏'‏

"لا طريق كي أصل..." بقلم / حميد الهاشم - العراق

 


"لا طريق كي أصل..."

اعتكفتُ لافتش عن شيء أقوله لنفسي ،
وجدت الكثير الذي لم أقلهُ
كيف نسيت كل ذلك...
بائعة الهيلِ والبذور في لوحتي الأولى..
كيف ضممتُ اللحظات تلك بين أصابعي الصغيرة...؟
قالت:
" لقد انتهت الحرب....فعلام أصابعك مضمومة....؟!
افتح المراعي الخضر...
ونُمْ تحت سنبلة، وإياك أن تعشقها..
أو تأكل فصولها.."
عماذا تتحدثين أيتها المحشورة في زحامي المُسن...
معضلتي الحرب والسنابل وسيدة التقيتها آلاف المرات ولم ألتقِها بعد..
أصدقائي ، هولاء ،
خذلوني لأنني أحببتهم..
لكني خنتهم قصيدة بعد قصيدة ,
خنتُ كل حروبي أذ لم تؤسرني شظايا الجراح..
خنتُ السنابل أذ رسمتُ انحناءاتها المليئة بجلالة الصمت..
تمردتُ على كل النساء، حين فتحتُ عنوان القصيدة كي يدخلن منها كغيمات بين الحروف..
يا لجمال المتاهة..
لذة متوحشة..
لماذا اعتكفت مسترسلا على وسادة الخيارات الناتئة..؟!!
في مرة عتيقة أخرى..
كل الخيارات كانت تعاتبني,
لا طريق لدي كي أصل..كي أنبت ُ في الأرض...كي أموت....
آه..تذكرت..
في زحمة هذا البريد المعطل...
رسائل من بائعة أخرى تناديني ،
تلك التي لا تنتظر أن أعتكف...
كي أعرف أن أتحد مع الحُمى
وقد قفزتُ...
من آخر سحابة
كنت معلقا بها..
لأسقط تلاوة كاذبة،
فوق مئذنة ،
وحرّفّتُ كل ما قالته السماء لي ،
قبل أن أقوله حتى لنفسي.
حميد الهاشم/ العراق

الجمعة، 1 سبتمبر 2023

أبيات من رثاء الشاعر الكبير / كريم العراقي تأليف / متولي بصل دمياط - مصر

 

أبيات من رثاء الشاعر الكبير / كريم العراقي

ما بين دجلة والفرات سماءُ

تهفو إليها الأنجمُ الزهراءُ

منها أتت شمس الخليل ونوَّرت

هذا الوجود الملَّة ُ الغرَّاءُ

ما لي أراها اليوم تُمطرُ أدمعا

وتحفُّها من حولها الظلماءُ

ما لي أرى فيها السوادَ مخيِّما

وكأنما حلَّت بها بلواءُ

بغداد يا بغداد من هذا الذي

تحت الثرى تسري له أضواءُ

أدفنت شمسا في الثرى أم ذا الذي

قد راح يشدو بشعره الشعراءُ

هذا الذي سبك الحروف قلائدا

فتقلَّدتها لحسنها العنقاءُ

 

تأليف / متولي بصل

دمياط - مصر

                                        الجمعة 1  /  9  /  2023 م

الأربعاء، 26 يوليو 2023

قصيدة ( بح ) تأليف / متولي بصل

 

قصيدة ( بح )

تأليف / متولي بصل

قرَّب علينا العيد

ليه يا ابني مش فرحان

قاعد تقول وتزيد

وتشكي م الحرمان

نفسك في لبس جديد

تفرح به زي زمان

بطَّل يا واد تنكيد

هو انت إيه عريان

نفسك في مصروف إيد

للصحبه والخِلَّان

تتعشَّى وتبات سعيد

وتحس إنك كيان

فاكرني قلبي حديد

فاكرني يا ابني شيطان

ولا فاكرني بخيل

بخلي عليك إحسان

خايف عليك يا ابني

لو زاد معاك المال

في يوم تغلِّبني

وتمشي ف طريق بطَّال

سيبني يا واد أبني

واعلِّي في البنيان

ولمَّا تورثني

وجيبك يبات مليان

هتيجي تشكرني

وتقول لي علِّي كمان

خد مني واحرمني

جوَّعني واظلمني

***************

يا واد لا تتعبني !

ولا يوم تراجعني

أنا ريس المركب

يا واد أنا القبطان

أنا اللي احدد وأقول

إذا كنا نمشي يمين

والا هنمشي شمال

وانت عليك تسمع

يا واد لازم تسمع

وتقول حاضر في الحال

والا عايزهم يقولوا

باسمع كلام العيال

يا ابا   يا ابا   يا ابا

حاسس كأني يتيم

وانا بابكي زي الحريم

ده انا كنت شاب مستقيم

ماشي في الطريق السليم

لا عمري لفيت سيجارة

ولا عمري بصيت لجارة

ولا توب لبسته الا توبي

ولا بعمل الدين ستارة

راضي بحياتي وعيشتي

بس اللي تاعبني خيبتي

من قسوة امي حبيبتي

وابويا اللي حارمني

يا ابا   يا ابا   يا ابا

حاسس كأني يتيم

وانا بابكي زي الحريم

خدني يا ابويا في حضنك

حسسني لحظة اني إبنك !

دي الدنيا حواليا نار

والعيشة زي الهباب

الشهد طعمه مرار

وانا باسف التراب

مع كل طلِّة نهار

ألقى الشقى والعذاب

حتى اللي فاكره عمار

طلع النهارده خراب !

يا ابا   يا ابا   يا ابا

هيفيد بإيه البُنا

لما يضيع الضنا

ويفيد بإيه الغِنى

إن فات أوان الهَنا ؟!

يا ابا الفلوس دي ورق

عشانها ليه نتحرق ؟!

أخويا هج وغرق

وانا عمري كله انسرق !

انا يا با عمري انسرق !

العمر عدَّى وفات

وانا ع الترب ما داريش

نايم مع الأموات

تايه مع الدراويش

مش لاقي حلم جميل

إلا رغيف العيش !

حتى ان صحيت م النوم

ما قادرش أصلا أقوم !

العمر عدَّى خلاص

والحلم بَحْ ما فيش !

الاثنين، 24 يوليو 2023

العنونة الشخصية في قصة ( لقاء عابر ) للكاتبة المصرية / د . منال رضوان قراءة ورؤية أ.د مصطفى لطيف عارف ناقد وقاص عراقي

 العنونة الشخصية في قصة ( لقاء عابر ) للكاتبة المصرية / د . منال رضوان قراءة ورؤية  أ.د مصطفى لطيف عارف ناقد وقاص عراقي


 لقد تنبه كتاب القصة إلى خطورة العنوان في البناء الفني، فراحوا يتأنقون في صياغته، واختياره استجابة لوصايا نقادهم، حتى أنهم استهلكوا في صياغته، واختياره ضعف الوقت الذي استهلكوه في كتابة قصصهم، ذلك لأن عملية اختيار العنوان القصصي ليس بالعمل اليسير، تلك التي تكتشف فيها القاصة عنوانا لقصتها، لأنها في الحقيقة تكتشف عالمها القصصي، وعلى نحو عام أن العنوانات القصصية غالبا ما تلخص فكرة العمل القصصي نفسه أن العنوان القصصي يأتي أما على عبارة لغوية، أو رقما، وربما يأتيان معا، وأخيرا لابد لنا من الإشارة إلى أن كتاب القصة القصيرة يسلكون طريقين في اختيار عنوانات مجاميعهم القصصية هما: الاستعانة بعنوان إحدى القصص لجعلها العنوان الرئيس للمجموعة بأكملها، وهذه القصة أما أن تكون أحدث زمنا أو أكثر قصص المجموعة تطورا من الجانب الفني، أو أشهرها، أو أكثرها ذيوعا، أو أن عنوانها يتسم بعنصر جمالي أو دلالي يؤهله لأن يكون عنوانا للمجموعة برمتها، والطريق الثاني انصرافهم إلى عنوان آخر ينتزعونه من السياق العام للمجموعة القصصية، وهو ما فعلته القاصة (منال رضوان) عند اختيارها عنوانات لقصصها، بقي العنوان، قد يرتبط بالشخصية أو لا يرتبط تماما فهناك عنوانات بعض القصص باسم أحدى شخصياتها، وقد يكون العنوان لا يحمل اسم شخصية من شخصيات القصة، كما يبين إحجامه عن تقييد القارئ بعنوان ربما يوجه اهتمامه نحو مظهر من القصة دون آخر، إعتقادا منه أن العنوان يمثل جزءا حيويا من بنية النص إلى جانب كونه مفتاحا تأويليا، والعنوان في تركيبته التأويلية ينبئ عن علم مكتظ من العلامات، والشفرات التي تتحول إلى دوائر تدور حول بعضها مثيرا عددا غير قليل من الدلالات، والبنى الإيحائية، عنوان القصة القصيرة (لقاء عابر ) يظهر قاصرا على مفردته الأولى، وليس قاسما مشتركا لها، ووحدانية -القص- بوصفها كيانات، تحتسب لصالح- الحكاء- مع تكامل الصور لترسيمها عملا إبداعيا (إنتاج مادي,وروحي) وتطابق مجريات المتغيرات التي تحدث داخل المشاهد التصويرية سواء أكانت فاعلة أم هامشية حقيقة كانت أو مفتعلة، فنراها تقول : أذكر ليلة جلوسنا إلى طاولة نائية في ذلك النادي الشهير، كنت تود أن تتعرف إليّ أكثر من مجرد لقاءاتٍ عابرة، أو مكالماتٍ هاتفية تستغرق بضع دقائق، سألتني عن أشياء كثيرة، وأجبتك أكثر وأكثر؛ حتى بت أرتديك كثوب من العري لا يستر شيئًا من ندبات السنوات الماضية- الوعود المنسكبة على يديّ بأنها مرة أخيرة للبكاء لازلت أذكرها، كذا ابتسامتي الواهنة المنتهية.. بلا تعليق. كلماتك من قصيدة الورد والياسمين، لثمت عنقي كقرط من لآلىء تداعبها نسمات ربيع محببة باحت أخيرًا. إن النص الذي يأسر القاصة (منال رضوان )، ويدفعها لخلقه، ورميه إلى ذائقة المتلقي هو النص المتماوج على حدة اللغة، وقسوة الصورة، والإيغال في تشظيات النفس الإنسانية، هذه الركائز الثلاث هي ما يستطيع الوقوف على أثافيها ليخرج باعتقاد أن القاصة تحتفظ بخزين وفير من القدرة على السرد،

 



واقتناص الموضوع بيسر، وعرض النص بما قد لا يريح المتلقي، ويترك في نفس القارئ فسحة للابتهاج، فنراها تقول : اعتدت ابتسامة خافتة تتلعثم وسط الضجيج، لكنك سألتني أن أضحك بصوت أقوى، فصرت أضحك وأضحك؛ حتى تعرفت معك إلى صوتي للمرة الأولى!نظارتك الطبية التي ارتديتها؛ فَأُخذتُ في رجفة دوار رمادي غيبني عن واقعي، واكتفيت بلحظاتي الوامضة أنسج خلالها ملامحك التي أكاد أعرفها. خاتمك الفضي الضخم الذي انتزعته من إصبعك وتوجته إبهامي، فعلتْ ضحكاتنا أكثر وأكثر .أذكر أنه ليس بخاتم زفاف، فلم يكن لك امرأة كما أخبرتني، وربما لم تكن لك امرأة واحدة.. لست أدري، على أي حال لم أكن أريد الانشغال بغير نقراتي على الطاولة ورجع من همهمات أصابعي :(تِك تِك تِك.. تِك) حتى سألتني وأجبتك : - هذا عنوان قصتي الجديدة، طاولة. لذا فإن نص القاصة (منال رضوان ) هو نص الشفرة التي لا تترك ألما بل تصنع جرحا يحتاج القارئ لوقت غير قصير كي يشفى من صراخه أن عنوان القصة القصيرة تعطينا دلالات نقدية سيميائية تدل على مضامين القصة، فنراها تقول : نعم، طاولة تأنس إلي حديث الأصابع ويؤرقها جليد الكلمات.- كم منحتني ابتسامتك الدفء الذي جعلني أربت على طاولتي، ولا أعود ألكزها في عناد طفولي يستثير المزيد من أسئلتك. لم أنس النادل الصغير الذي لم يستسلم إلى مداعبتك حول نقاوة البن، فأتاني بقهوتك المتخمة بسكر، ووضع أمامك قهوتي المُرَّة، وكم كان ودودًا إذ أخبرنا بمؤامرته قبل أن أرتشف قهوتك؛ فأدمن حلاوتها، أو تجرع قهوتي؛ فتعودك ذكريات مذاقها..ولم نعد نملك الكثير من الوقت، كان علي أن أغادرك على وعد جديد باللقاء.غير أننا نسينا توديع الطاولة،كذلك هي، لم تعد تعبأ بنا؛ فكم خذلها الإنصات إلى حكايات العابرين. ومن خلال استنطاق قصة( لقاء عابر)نجد النص الذي تريده القاصة (منال رضوان) محمولا بالدلالات، لابد أن يأتي مستلا من تفاصيل سلوكيات اجتماعية ارتأت إحضارها من أزمنة مختلفة في العلائق، ومتفاوتة في التشابكات، فهي تستعين بالشخصية المحورية استحضارا للحكمة، وتتكئ على شخوص الحاضر معطيتن إياها دور الباحث المتفاعل الذي سيخرج بحصيلة تتكرس مدلولات تسهم في فائدة البشرية في التعامل، والحكم، إنها تمنح المتلقي أبوابا متعددة مواربة للقراءة، والتأويل اعتمادا على كون النص كرة كريستالية تبث الدلالات التي تستنهض رؤى المتلقي فتثير فيه مهمة البحث عن الشفرات, بصوته الموسيقي وأخيرا نقول يحسن النص السرد المختزل لإنتاج قصة قصيرة جدا مستلة الفحوى من نسيج الواقع.


السبت، 22 يوليو 2023

الإبداع الفني للفنان أ . أشرف النجار

 

الإبداع الفني بالقلم الرصاص

الفنان المبدع أ . أشرف النجار

الرسم بالقلم الرصاص

الرسم من الهوايات المحببة للكثير من الناس، لكنه عند الفنان رسالة وليس هواية، الرسم لغة الشعوب مثل الموسيقى تماما، وتتنوع طرق وأساليب وأدوات الرسم؛ فيرسم البعض بالألوان، وهناك من يرسم بالفحم، وهنا نجد الفنان أشرف النجار يفضل في معظم رسوماته، االرسم بالقلم الرصاص، يراه أفضل لرسم وتوضيح ملامح الوجه، وهذه نماذج من رسوماته :  

























الخميس، 20 يوليو 2023

لا تنتظريني تأليف / متولي بصل - مصر

 

لا تنتظريني

تأليف / متولي بصل - مصر

لا تنتظريني يا بنت العم

لا تنتظريني يا بنت الخال

واختاري غيري

فأنا مشغول

وسأبقى عمري

مشغول البال

مهموم وهمومي جبال !

لا وقت لديَّ لزواج وعيال

لا وقت لديَّ للحظة حب

يعقبها ندم وطلاق وقتال

ومعارك في محكمة الأسرة

ومعارك أخرى

تكفيني معركتي الكبرى

يكفيني أنِّي في كل صباح

أقف لساعات في طابور الخبز

أتنقل ما بين سؤال وسؤال

وجميع إجابات الأسئلة أراها

محض خيال !

وكأني أحد الأسرى في معتقل (غوانتانامو ) !

ينتظر اللحظة كي يعرف

ما سبب وجوده ؟!

ما سبب قيوده ؟!

ما سبب وروده تلك الأهوال ؟!

لو كل الذكران رجال ؟

ما كان الحال هو الحال !!

أخشى أن يأتي يوم

أصبح فيه رغيفا معروضا في الأسواق !

أو قطعة لحم كتب عليها للناس حلال !!

فأنا أحيا في قوم اتخذوا إلههم المال !

المال ولا شيء سوى المال !

الخميس، 13 يوليو 2023

قراءة الأديب / عبدالله النصر، في رواية (مع سبق الإصرار والترصد) للروائية / سهام مرضي


رواية (مع سبق الإصرار والترصد) للروائية سهام مرضي، الصادرة عن نادي حائل الأدبي، السعودي.
رواية تحكي قصة الأم التي بعد أن فقدت زوجها تاركاً لها ثلاث بنات وولد، لم يكن في وسعها إلا أن تخنع للرجل العنجهي الجاهل المتخلف الذي يتمسك بالدين قشرًا وماهو بالدين، ويتشدد فيه، فيطبقه على المرأة التي تم تجهيلها وحبسها في عادات وتقاليد مجتمع صلف جاهل يخترع أخلاقه من منبع القبيلة المتعجرفة والفخوذ المتعصبة وما تقضيه التقاليد والعادات وحب الذات والمصلحة الخاصة، ومن تفسير للآيات والأحاديث حسب الهوى وما يوافق الأهداف الظالمة المتعسفة.. تخنع و تستسلم لمزاج أخيها ذي الجبروت الذي يعمل في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحفل منه على نهايات سيئة لبناتها الطموحات. وتقود، وهي محنية الرأس صامتة، بيتها برفعة الرجل وإعطائه منزلة لا يستحقها ولو كان مخطئاً جاهلاً أحمقاً وتُدني المرأة ولو كانت صائبة متعلمة واعية. كما تُسيِّرُ بناتها خانعة مستسلمة وفق قوانين منحدرة خاوية يسنها أخوها المتدين ورجالات عائلتها وقبيلتها، قوانين عزل وتهم وتخويف وترهيب وتغريب، لتردي بنفسها وبناتها في الحضيض والمآسي والألم والانحدار والضياع، فعوضاً عن ضمها واحتوائها لهن وإعطائهن منزلتهن وقدرهن، تُكبر وتؤثر ابنها أصغرهن عليهن وهو في سن المراهقة بل الجاهل الذي لم يتعلم والعاطل السكير اللوطي وصاحب السجون وتتخذ منه ولي أمر عليها وعليهن إلى جانب أخيها خال البنات الثلاث..
تُطبق عليهن قوانين العبودية والسجن في البيت والخنوع والتذلل والمسكنة وعدم الحصول على أي حق من حقوقهن المشروعة في الحياة، التعلم، مخالطة المجتمع، المشاركة في الرأي والقرار، وقيادة السيارة من أجل تلبية شئون الحياة، وعدم الحب، وعدم الاختيار، وعدم الرفض، حتى حقها في أخذها للعلاج والاهتمام بها كإنسان لم تحفل به، الخ.. مما تتطلبه لأسباب الحياة والمشاركة فيها مع الرجل على حد سواء في البناء والتنمية والتقدم، إلا أن تخرج من البيت إلى بيت الزوج وربما يمارس عليها ذات القمع والترهيب حتى تقبر، وإن كان متعلماً ومبتعثاً، أو تبقى في ذل حتى ينزل عليها لطف من السماء ويخرجها من الظلمات إلى النور.
وتبين أيضًا حال فئة من المجتمع السعودي الذي تحول بأفكاره المستعارة من جهات الكفر والزندقة والإرهاب والمشردين إلى أناس إرهابيين دعاة للموت والقتل والتنكيل بمن يخالفهم في الرأي والفكر والدين ويجب قتلهم، ولاسيما من طرف النساء اللاتي انجررن بسذاجة وحمق لأولئك الحمقى فغدون يسمون الذي يفجر نفسه في الناس بأنه شهيد بطل.. كما تبين بأن هذه المآسي صارت في عين الغرب وجعلته ينظر إلى المجتمع السعودي بأنه مجتمع منغلق مسكون بالتخلف والسذاجة والحمق، بل ومضطهد وغير مقبول في وجوده على أراضيهم، حتى أصبح الفرد السعودي يتخفى خلف جنسيات أخرى.
كما تبين مجتمعاً تعتبره الكاتبه من الرعاع لأنه (نمطي لا يحب الخروج من نسقه) و(كأن الخروج معصية) ، هذا المجتمع يعتبر المرأة هي حق للغير، وخادمة للرجل لاقيمة لها، وليس لها ما للرجل أبدًا.. تبقى مقموعة حتى تنحدر إلى الشذوذ وتلبس شخصية الرجل وتمارس السحاق والرذيلة مع مثيلاتها بل وتطلب الزواج منهن.
وقباله هذا هناك الابنة الكبرى التي تتصدى لهذا الفكر التعنت رغم القسوة والاضطهاد والألم والضرب والشتم والتنكيل والحرمان والتغريب .. تتصدى بما لديها من قوة، وتواجه القوى الكبيرة التي تتشارك وتجتمع عليها مرة واحد، ليست فقط الأسرة، بل كل فئات المجتمع.. مناشدة في كل عبارة من عباراتها المؤلمة الوطن بأكمله بل وولي أمره ثم الواعين من المواطنين.. للخروج من هذا المأزق القذر والخندق الموحل..
رواية تزيدك ألما فوق ألم، لكنني كسارد أشيد بهذه الرواية من جانبها الصياغي الجميل، المليء بعبارات المتعة والروح الإنسانية، أشيد بأسلوبها المفعم بروح الشاعرية التي تبينها خواطر الألم والمناشدة وهي كثيرة بثت في أرجاء السرد ولو كانت عنوة أو غالبة على السرد ذاته، كما أشيد بالحوار المتشضي الذي يرفع منسوب المعاناة، وكذلك اللغة السهلة التي لم تتعالى على القاريء، فضلاً عن الحدث الذي يتفجر بنشوة التشويق حتى ليشدك إلي النهايات لكل شخصية من الشخوص. علماً بأن شخصية (سحر) وهي الابنة الكبرى، هي الراوية، ويدور حولها الحدث، وهي التي تلعب في كل الأدوار وتفجرها، وتبين رأيها ووجهات نظرها، وتظهر أنها البطلة الفاهمة الواعية المثقفة البناءة، وهي الوحيدة التي تهتم بالببت وتساعد وتراعي أخواتها وأمها والعطوف الودود اللطيفة عليهم، وتخدم أخاها رغم تلقي الصفعات منه، أما أخواتها (سناء وإيمان) ليس لهن دور في تفجير الأحداث وحلها، فقط يأتيان حسبما تتطلب الراوية إتيانهما، وكذلك الأخ سعيد له فقط جزء بسير جداً في تحريك الحدث في البداية وإلا يبقى بعيداً في المنتصف ثم يعود ويؤزم الحدث ويوصله إلى نهايته المفجعة، أما شخصية الأم رغم أن الراوية تتحدث عنها بأنها مصدر لكل الآلام والوجع والظلم والخنوع والذل والمهانة، إلا أننا لا نجدها تتحرك وتتحدث وتقول وتسير الأحداث كما ينبغي، أما شخصية الخال فهو الشخص الذي يلعب الدور الكبير بجانب البطلة يواجه كل تحركاتها بالصد والمنع والتحريم والشتم والضرب والمهانة وغيرها، حتى أنه ليكون هو الشخصية التي تجتمع فيها كل مساوىء العالم الوقح والمقيت وهو الرجل الذي له الكلمة الكبرى والمشورة حتى في وجود الأخ العائل، وأما شخصية الجد الذي لم يتضح لي بأنه جدٌ من جهة الأب أو جدٌ من جهة الأم، فهو شخصية رجل تركته زوجه لتهمة ما، وبقي وحيداً، تلجأ إليها البطلة لتأخذ منها العطف و المدد والتصبر والقوة لتكمل مشوارها، حتى يتوافاه الله، وأما مرام فهي الشخصية المساعدة لسحر ظهرت بعد فقد جد سحر حدها، تعينها على زواجها من أخيها فيصل الذي هو الحلم والأمل الذي تحاول التشبث به على تخوف للخروج به من النفق المظلم.. أما بقية الشخصيات فتحضرها الراوية لتظهر لنا بعض المظاهر السلبية المجتمعية وقبحها وسقوطها وترديها، ثم تغيب بلا أثر بالغ.
الفكرة والموضوع اللذين أعتقد أنني أبنتهما في عرض المقدمة، ليسا في عالم الكتابة الروائية بجديدين، فكثير من الروايات والقصص القصيرة والمقالات السعودية تناولتهما بما هما ضرب من الألم والجور والسلطة المجتمعية العمياء، للخروج بفكرة التحرر والخلاص، تحديداً، للمرأة المستعبدة الضعيفة المسكينة المرغمة، التي غُيِّبَتْ خلف الإسمنت، وعلى مقاعد الدراسة، وقبرت بذريعة المحافطة والغيرة عليها.
النهاية تخسر البطلة أحلامها وطموحاتها وامنياها وحقها في التعلم والوظيفة، والزواج ممن تحب ، بل تزوج قسرًا، وفتهرب إلى جبال مكة وتتوه وتموت، وتخسر الثانية كليتيها وتداوم على الغسيل، والابن بعد أن قضى مدة سجنه خرج وأصبح داعية وتزوج، وأمه بعد لم تزل تقدسه وتجله.
هذا غيض من فيض، تحياتي للكاتبة ولكم.
الكاتب السعودي / عبد الله النصر
قد تكون صورة ‏نص‏

مشاركات الأعضاء

قدر العرب للشاعر متولي بصل

    قدْرَ العربْ متولي بصل مصر *** غدا يعرفُ الناسُ قدْرَ العربْ وأنَّ العروبةَ  مثل الذهبْ وأنَّ البلاءَ على قدْرِها عظيمٌ وكمْ منْ بلاءٍ ح...

المشاركات الشائعة