Translate

الأربعاء، 8 يونيو 2022

مسايرة عبدالله عبدالإله باسلامه اليمن / ذمار

 



مسايرة 
ينفرج باب الغرفة ببطء ليطل صغيره (ناصر) ذو العام والنصف، يفتح له ذراعيه لكنه ينفر منه، مهرولا نحو أمه، وملقيا نفسه فوق السجادة (الل ااا اكاااا) تسجد الأم وهي ترفع صوتها مبتسمة (الله أكبر)، ثم تستوي من وضع السجود (الله أكبر ) تزيحه بيدها برفق لكنه يتمدد متشبثا بالسجادة (الل اااا اكاااا .. الل اااا اكااااا)...
السلام عليكم ورحمة الله..
السلام عليكم ورحمة الله .
تنقض الأم على طفلها ضما وتقبيلا، تلتفت نحوه :
- هههه الولد هرب منك يابو ناصر.. ماعرفك ِ
يبتسم ابتسامة جافة وهو يتحسس ذقنه الناعمة :
- قولي ما يريد يعرفني.
- نسيت إن كان معاك لحية يحسدك عليها إمام الحرم المكي.. اصبر على الولد ..شوية ويساير الوضع.
يطلق زفرة نفاد صبر وهو يلوي رأسه نحو مرآة التسريحة مقتربا منها، يتفقد شاربه الذي أطلقه لينمو لأول مرة، أزعجه انحسار السبغة السوداء عن منابت الشعر، لكنه ابتسم معجبا وهو يلقي نظرة عامة على شكله بالبنطلون وربطه العنق :
- أمس إمام الحرم واليوم من؟
- لا ... اليوم بسم الله ماشاء الله بطل من أبطال السينما.
اتسعت ابتسامته كاشفة عن صف أسنان منتظمة، ناصعة البياض بالكاد خرجت من تحت جهاز طبيب الأسنان، ثم مختص التجميل، وحدها الدائرة السوادء التي تكلل رأسه من بقيت تدلل على ملامح الشيخ رغم نجاح كريمات الترطيب، والتقشير في التخفيف منها، وابتعاده عن السجود على البلاط وقت الظهيره كما كان يفعل سابقا، إلا أنه لازال واضحا كختم أسود يتوسط جبهته يذكره كلما تحسسه بصوت أبو عمار صديق عمره، ورئيسه يوم دعاه إلى اجتماع طارئ، وأن عليه إبلاغ جميع الموظفين الذين يعملون في إدارته.
يومها خرج من الاجتماع دون أن يفهم شيئا غير أن الوضع تغير فعلا !!، وأن عددهم كان ليبقى على ماهو عليه لولا أبو سليم أصغر مساعديه الذي رصدت الكاميرات إمارات سخطه، وامتعاضه، وتذمر البعض، وقلق البعض الآخر، ولم تغرب شمس ذلك اليوم إلا وقد اختفى أبو سليم، وطرد الكثيرين، أما هو فقد همس له ابوعمار وهو يقتاده نحو سيارته:
- تدخلت بنفسي .. المهم تبيض وجهي.
تطلع إليه بخوف، فوكزه برفق في كرشه الكبيرة وهو يغمز له بعينه :
- ما عليك إلا تساير الوضع يابو ناصر.
ليعود إلى البيت يقضي أياما وليال طويلة، مسهدا، يقضم أطراف لحيته، قد جثم عليه شعور بالخوف والقلق، زادته الأنباء التي تصدرت نشرات الأخبار عن علاقة أبو سليم بجماعة إرهابية، والرسائل التي كانت تصله على الخاص بين الحين والآخر رعبا وحيرة وترددا حسمه ذات ليلة، اقتحم فيها غرفة مكتبته الضخمة، وحمل نفائس كتبه، وذخائر مجموعات كتب السيرة، والحديث، والتفسير، والفتاوى... والقاها في الفناء الخلفي، واخد يطعمها للنيران كتابا تلو الأخر مبقيا في حضنه على كتابه الأثير (أصول النجاة والسلامة في منهج أهل السنة والجماعة) أطروحته التي نال بها درجة الدكتوراه، خبت النار حتى كادت تنطفئ وهو جاثم بجوارها يتصفح الكتاب بصمت، وبعد تردد طويل فتحه من وسطه، ورفعه بكلتا يديه ثم هوى به فوق ركبته لينشطر نصفين كالعود اليابس، وبدأ في تمزيقه صفحة صفحه لتتعالى ألسنة النار من جديد.
بمرور أيام قليلة انقلبت حياته، مع تغير مهام عمله الجديد، والتي تحولت إلى أعمال فنية، وسياحية، وترفيهيه...زادته علاقاته الجديدة مع الفنانين، ونجوم السوشيال ميديا الدين يتدفقون على البلاد من كل أنحاء العالم اكتشف معها امتلاكه مواهب وقدرات فنية متعددة، بفضلها شعر بتجدد شبابه، وبمتعة وحيوية، وطموح يتمدد كل ساعة...لولا صغيره (ناصر) الذي ظل يزعجه بخوفه، ويقض مضجعه بنفوره منه، وسؤال يثير غضبه (متى يساير الوضع) ؟.

عبدالله عبدالإله باسلامه
اليمن / ذمار 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

قدر العرب للشاعر متولي بصل

    قدْرَ العربْ متولي بصل مصر *** غدا يعرفُ الناسُ قدْرَ العربْ وأنَّ العروبةَ  مثل الذهبْ وأنَّ البلاءَ على قدْرِها عظيمٌ وكمْ منْ بلاءٍ ح...

المشاركات الشائعة