Translate

السبت، 4 يونيو 2022

الشبيه بقلم / عبدالله أبوزوير - مصر


 الشبيه

ما ان وطئت قدماه الأرض وطلت جدته على ملامح وجهه بوجهها المتفلق من غبار السنين الحزينة فهى تعانى الوحدة فى داخلها رغم كثرة الأولاد والأحفاد حولها. تجمدت العروق من هول المفاجئة ثم اكتظ القلب بالنبضات العالية وسال من جديذ بين ضلوعه كما قد حدث مرة مذ أكثر من سبعين خريف.
سقطت دمعة على وجه الوليد مسحتها بشفتيها الناشفتين فأحمرت من جديد.
بقلم / عبدالله أبوزوير - مصر

داء الفتور بقلم / خلود أيمن - مصر

 




داء الفتور

يمر الكثير منا بذلك الموقف العصيب الذي يقف أمامه متعجباً من ذاته ، فكيف يقدر على الابتعاد عن الأمر الوحيد الذي يُثْبِت صلاحه وانتماءه لدين الإسلام ؟ ، كيف سوَّلت له نفسه الفتور في العبادة أو عدم الخشوع وقت تأديتها بفعل انشغاله بأمور حياتية أخرى ؟ ، فعليه أنْ يظل متشبثاً بذلك اليقين الذي يؤكد له أن كل أمور حياته لن تتيسر مادام بعيداً عن الطريق السليم للعبادة ويظل كذلك إلى أنْ ينقطع عنه تماماً بفعل وساوس الشيطان التي تُمهِّد له أفعال الشر والطغيان وتجعل كل تركيزه مُنصبَّاً على أمور سفيهة بلا جدوى فيخسر دنياه وآخرته على حد سواء ، فكل البشر معرضون للوقوع بذلك المأزق المؤرق ولكن الأفضل منهم مَنْ يحاول الاعتدال والانضباط والعودة للخشوع في العبادة بشكل تدريجي حتى يقتنع تمام الاقتناع بأنها السبيل الوحيد الذي يحقق له مبتغاه دون خشية الفشل أو التعثر كما ينقذه من الغرق في دوامات الحياة الطاحنة التي تجرفه إلى حيث لا يعرف اتجاهه إنْ فقد صوابه أو سلَّم مقاليد قلبه للشيطان والعياذ بالله ، فطريق الله نيِّر ، ملئ بالبصيرة التي تجعلك ترى تلك الومضة المُشعَّة التي ترشدك للسير في الطريق السليم حتى تصل لذلك النعيم الذي تصبو إليه منذ أنْ وطأت قدماك أرض الحياة لتملأها بالخير والبر والسعى وراء الحق حتى وإنْ ضل الجميع وأحلكت عقولهم وكأنها ظلمة لا نور فيها ولو سكت عنه أهل الأرض أجمعين أو قل مؤيديه ، فلا بد أنْ تكون على يقين بأن مَنْ يتبع طريق الهدى لن يخفق أو يخسر مطلقاً بخلاف مَنْ يتبع أهواءه وهمزات الشيطان التي يُمكِنه التغلب عليها إنْ كان يملك الإرادة القوية والإصرار على العودة لرشده مهما ضل سعيه في بعض الأوقات ، فكل ابن آدم خطاء ولكن ما يُفرِّقنا هو ذلك الضمير اليقظ الذي يجعلنا نستفيق في الوقت المناسب قبل أنْ نطيح بحياتنا في مسار غير مُحبَّذ أو مرغوب وقبل أنْ تفنى ونحن على ضلال وفسق وفجور ، فتلك الصلاة ليست بالأمر الهين والامتناع عنها قد يتحول لأسلوب حياة يعتاده المرء ويكون قد خسر كل شيء بمحض إرادته بفعل انسياقه وراء شهواته و وساوس الشيطان التي لا تتوقف  وسوف تُوصِّله لأسوأ مما يتخيل إنْ لم يُحجِّمها في الوقت المناسب ...




الكاتبة الصحافية المصرية / خلود أيمن تكتب مقالًا تحت عنوان "داء الفتور"

الكلب الراعى بقلم / عصام الدين محمد أحمد


 الكلب الراعى

يتنزه "عربي" فى مدينة الأكابر،سأم من الشغل المتوالي طوال أيام عمره،لو كان آلة لأصابها العطب منذ سنوات،وللحق بها التكهين،ولكن المكن لا يأكل ولا يشرب،غير مسئول عن عيال،وهم لا يتلم،قال له بعض الأصدقاء أن المدينة تحيط بها الغابات والمستنقعات،يمرق الوقت فيها كالشهب،سينسى تعب السنين،ويرتق جسده البالي،يزيَّت المفاصل،ويستبدل الخردة بالجديد،وكأن للغواية بريق.
يتمهل الخطى،الشارع هادئ إلا من هسيس هنا وهناك،في انحناءات الشارع سكون وريبة،فهو لم يعتد مثل هذا الهدوء،فالحياة فى عرفه بلا زحام طعام ماسخ لا نكهة ولا رائحة،ومقاعد على الرصيف الواسع شاغرة،منحوتة من الخشب بمنمنمات بديعة،يردد فى سريرته:
يرحم أباك يا أبو العربى لو شاف هذا السكون ما مات.
من عمارة شاهقة يخرج كلب مهول،شكله يثير الرعب،فراؤه كثيف،لونه أسود بحمرة خفيفة،عيناه تبرقان،أذناه منتصبتان مثلثتا الشكل،يتوقف "عربي" ليحافظ على بعد المسافة بينه وبين الكلب؛فرملت قدماه دون إرادة منه،فذكرياته مع الكلاب قل عنها يا حفيظ احفظنا.
فوق الرصيف طفل يلهو،ملابسه رثة متسخة،تي شيرت مهترئ،سروال قطني متنسلة خيوطه فى أكثر من موضع،يصيح علي الولد،لا يلتفت له،يمتطي سيارته البلاستيك،يدور،يرجع للخلف،ينغم نبرات التنبيه:
بيب..بيب.
ربما كان منشغلاً في عالمه!
وربما أسره الرصيف ببلاطه اللامع وطراوته!
السلسلة المطوقة لرقبة الكلب مقطوعة،اكتشاف "عربي" عظيم؛أليس كذلك؟
ما جدوى السلسلة طالما الكلب طليق؟
يتمشى،يشارك البني آدمين التنزه ،يدفس رأسه فى الأرض،يشمها،وكأنه يقص أثر أنثاه،يرفع رأسه وكأن جهوده باءت بالفشل،يتبدل هدوءه شيطنة.
يلمح الطفل،يقترب،يقعى على قدميه الخلفيتين،يتموضع بهيئة المستعد للهجوم،يتريث ،يهجم علي ذراع الطفل اللاهية بمقود العربة الصفراء،سرعان ما يستغيث،يصرخ،تمزقه الآلام،يرفس بكل خلاياه.
يتناجى عربى:
أيمكنني إنقاذ الطفل؟
يفتش جيوبه عن عصا،مطواة،مسدس،لاشيء فيها سوى بعض وريقات،يتقدم خطوة نملة،يتراجع قفزة نمر،لا يحتمله جسده فيتهاوى؛يلوم نفسه:
أهذا وقته يا فالح؟
خيالات النجع تزاحم ذهنه:
" تسوخ قدماه فى إبليز الترعة،ينكفئ على وجهه،الكلاب تلاحقه،هلع وصهد وآلام مبرحة."
سائل لزج أسفل أذنه اليسرى،أشجُت رأسه؟
لِمَ السؤال والدم يسيل؟
يدوس على الجرح،مازال الدم يتدفق،يدبق أنامله،يستل منديل القماش الأبيض من سرواله،يكبس الشج،يستهلكه الوقت ما بين التوجع واللافهم،لم يستوعب المشهد بعد،ربما كان الطفل دمية،والكلب كرتون مقوى!
وربما كان الحدث برمته من صناعة مخرج سينمائي،تبثه ماكينة عرض مندسة فى إحدى البلكونات المواجهة!
يدعك عينيه،يغلقهما ويفتحهما على التوالي.
هاهي امرأة من بعيد تصفر صفيرا حادا متقطعا ،تترنم في دلال نزق:
اتركه ،لم يحن وقت الغداء بعد.
يزوم الكلب معبرا عن غيظه ،يغرس أنيابه أكثر،تبتعد المرأة،تقترب من "عربي" ،يبدو عليها التوتر،تنظر فى جميع الاتجاهات،وكأنها تستشرف عدد الحضور،تفحص الوجوه،وجودها يرققه،هذا ما يبدو للرائي،ولكن قى دواخله بركان متقد وحفيف جسد ملتهب،يتناجى:
"ما بال الجسد اللدن يخبل عقلك؟
تسيب مفاصلك،ترتخى أعصابك،وتُمنى الجسد بوجبة لحم كالمهلبية،لا تسرح كالأهبل،أيتركك الكلب تنغمس معها فى دلو المتعة؟"
الكلب يجر الطفل بعيدا،يقبض على قدمه بأسنانه،تتداخل خطوط الدم فوق الرصيف،أضحى الرصيف كلوحة طفل عابث بالألوان.
الصغيريقاوم الانسحاق بصوت واه،ببقايا أظافر لبنة،بأنفاس غاربة،الفرفور يحاول الرفس،خار عزمه،انكشف صدره المخضوضب بالدم.
ذو السترة الواقية الواقف أمام مبني الزجاج يجرب خطوه الرتيب،يحمل بندقية آلية وهراوة من البوص المضفر،يقترب ببيادته الضخمة،يرفع ويخفض رنين اللاسلكي،أصوات تتداخل،يقصد مسرح الكلب،يشرئب "عربي" بعينيه،لير من فوق الرؤوس نجاح إنقاذ الطفل،وشكم المتوحش أو قتله،هذا ماتمناه،ولكنه لم يتحقق، وما أن يدنو الحارس من الكلب حتي يتحسس"عربي" وجهه المتواري خلف الدم، زغللة في عينيه،وشيش في أذنيه:
"فى الخور يستبدلون عارضتي المرمى بالصخور،يراوغ "عربي" لاعبى الدفاع،تهتف حناجر شباب وكهول النجع،تنثال الأهداف،يركض الكلب هائجا،يتعثر فى فزعه،ينط شواهد القبور،يفر للصحراء،رمال كثيفة وأحجار مسنونة وكلب منقوع بكراهيته،لا يعلم يقينا كيف تخلص من نذير الشؤم هذا،يختبر مشوار العودة انهياره."
اللاسلكي يتذبذب،فيتقهقر حامله،يدور للخلف،يلاحقه "عربي":
------------
أتعلمنى مهام وظيفتى؟
هأ..هأ..
ذاب كفص ملح،همبكة فاضية،آلى وعصا ولاسلكي،كأنه مارينز يا خي!
لم يحاول-مجرد محاولة-تخليص الولد من بق الكلب،شمال..يمين..معتدل مارش،الدور الذى ارتضاه بالرواية ما كان.
أيأكل الكلب الطفل؟
هكذا تساءل أحد المارة ،لا يملك "عربي" أجابة،ولكنه يسأل الحشد المتنامي:
ألا يتحرك أحد ؟
تجيب المرأة وكأنها تفرج عن هم أرقّها طويلا:
ولكنه كان أليفا.
ما ذنب الطفل؟
أخشى أن تسوء حالته النفسية.
ها..ها..والطفل يا سنيورة؟
لم يُهندس الرصيف ليلعب.
طوابير من السيارات،المرأة تصرخ في هاتفها المحمول ،تأمر وتشخط،سيارات تعبر يميناً،وسيارات تعبر يساراً،والكلب يفرغ لتوه من إزدراد الذراع ،تتذمر أبواق النظارة:
الكلب مفتر.
تقر المرأة في وجل:
ما الجديد؟
جميعكم حضرتم لرؤية هذا المشهد اليومى،أتزعزع إيمانكم بقداسته؟
يستنكر "عربي":
لم أمكث فى مدينتكم إلا ساعة،أفيون القداسة نفد.
يسأل "عربي":
أين أبواه؟
لا أحد يرد،فما جدوى السؤال؟
وماذا سيفعل الأبوان؟
ألم ينته المشهد؟
لم يبق سوى تبادل الحسرات،وقليل من التفكير فى الهوامش،ليكتمل العرض،ويتفرق الناس.
الأصوات المنطفئة فى الصدورتردف "عربي" بالإغفاءات:
"يستطيل الليل ولا نوم، اهتاجت الكلاب،نباح ممطوط،وآخر قصير،وثالث متقطع،أمسى أثير القرية متخما بالنباحات، وشواشي أعواد الذرة تصفر لحناً جنائزياً،يشعل خرقة الزيت،تطفئها الرياح،يشعلها ثانية،لهاثها يبتلع النار،يسرجها ثالثة ،يردف الجسر الترابي،يتسلل من بوص الذرة الندي،يبتعد،لو أضيئت الشمس لما رأيت ضيفه،سمانة ساقه اليسرى تؤلمه بشدة."
تكتسي اللوحة بالصمت الأسود،المئات والمئات يتكدسون بالشارع، ينظف الكلب أسنانه من نثار اللحم واللُّغام الأحمر،المرأة تغادر،يتبعها الكلب،تربت فوق ظهره،يتقافز وراءها،أين المرأة،كلما ابتعدت الصورة تاهت المعالم،ما يرى سوى كلبين يتغازلان،أفن عقل "عربي" :
كلب وامرأة،كلبان دون امرأة!
أين نخوتك يا فتي الجنوب؟
مائة سؤال وسؤال يهجم علي عقله،دعه الآن،فالكلب لمحه،واحد،أثنان،ثلاثة،يا فكيك...فجأة نبتت الأسوار،حاطت المدينة.
ويُحكى أن "عربي" لم يغادر المدينة.
هناك من رآه بصحبة الكلب،والبعض رآه برفقة المرأة التى كانت مع الكلب،أيضا شاهده البعض وهو يحفر قبرا،عموما تباينت الرؤى والمشاهدات.
تمت بحمد الله
بقلم / عصام الدين محمد أحمد

انبلاج بقلم / أم أيمن - فلسطين


 قصة قصيرة جدا

انبلاج
على بساط من حرير، جمعت له دقات قلبها المشتاق، خانها
الوقت، ذرفت الدموع، لم يتبق لها سوى لسعة شوق، وبقايا من حنين.
بقلم / أم أيمن - فلسطين

ذنب الحالم بقلم / خالد العجماوي - مصر


  ذنب الحالم

   بقلم / خالد العجماوي - مصر

لم يعد أحد يحلم في قريتنا. كأن الأحلام قد نضبت فلا تكاد تصل إلى أخيلة النائمين. كان ذلك منذ زمن ليس بيسير، ربما منذ جيل أوجيلين. حيث تبدلت الوجوه فصارت واجمة، كأنها منحوتة من حجر، أو كأن الشفتين قد نسيتا معنى البسمة وتعابير الفرح. أنا لا أذكر أني حلمت يوما. قالوا إنه بالأحلام أستطيع أن أرى أمي، والتي لم أرها طوال سني العشرين. أذكر أن جدي حكى لي مرة إنه وجد نفسه يطير فوق منزلنا. وقتها لمعت عيناه وابتسم للحظة، ثم رجع إلى ملامحه الصخرية وهو يأمرني ألا أخبر أحدا، فلو كان قد نما إلى كبيرنا "الحقاني" ما حكاه جدي فلم يكن ليسلم قط. ربما عنفه وزجره. بل وربما أمر فحكم على جدي بأنه من المجدفين. والحق أن كبيرنا كان يهتم لأمر القرية. قال إن الأحلام من الشيطان، وإنها من ذهاب العقل وزوال الحكمة، كما قال إنه الواقع وكفى ما نحتاجه كي ينمو العمل، فتستمر حيواتنا وتزيد غلالنا وما نجنيه من محاصيل. كان يرى أن الأحلام صنف من صنوف الكذب، وأنه لا مكان للكذب إن أردنا أن نعيش قوة ذات بأس وكرامة. ولأجل ذلك فقد عين لديه مساعدا كالوزير؛ يكشف له الرجل الكاذب من نظرة عينه، فإن حكم بكذب رجل أو امرأة، حكم عليه الكبير "الحقاني" بما يتراءى له من العقاب. لم يخطيء ذلك الرجل قط، كان يكشف الكذاب من عينيه، حتى عرفته قريتنا باسم أفردته له وحده "الكشّاف".
ولكن كيف نضبت الأحلام؟ هل هو الخوف من "الكشاف"؟ هل وضع الخوف يده على منابع الأحلام فجففها قبل أن تشق في النفوس مجراها؟
ولكن ورغم جبروت الخوف وسطوته، إلا أنه لم يقدر على شعور أهل القرية بالفضول، والرغبة في تداول الممنوع، في جوف الليل، حيث يفر بعض من خيالهم من محبس النهار، ومن عيون "الكشاف" وأحكام "الحقاني" الكبير.
سمعوا أن ثمة من يزعم أنه يحلم، وأنه يمارس الأحلام منذ سنين، وأنه يجالس بعضهم في جيوب الليل البهيم، فيحكي لهم ما قد حلم به بالأمس، على أن يعدهم بأن يجتمع معهم في غده، فيدر عليهم خيالاته وأحلامه. كانوا يخرجون من عنده وفي قلوبهم وجل من أثر الذهول والدهشة، كما كانت في عيونهم لمعة، وبعض ابتسام.
كان أمره سرا يكاد يكون شائعة لا حقيقة. خبر بدأ كنطفة تخلقت في أرحام الظلمة، ثم نمت رويدا رويدا حتى صارت حقيقة يتداولونها حين سدول الليل، وينكرونها مع أنوار النهار.
ذهبت إليه. عيناه لامعة، وجهه نحيل، ولحيته سارحة.
لا تسلني من أوصلني إليه، ولا كيف رحت. ولكن سلني عن الدهشة، عن الحيرة، عن الذهول والارتباك كلما حكى وسرد. كم من مرة انتبهت على فمي منفرجا كأبله، ولعابي يسيل وقد نسيت أن أبلع ريقي.
ثم ذهبت إليه أخرى، مرات ومرات. كان وحده الخوف متربعا في النفوس، ثم وجد كائنا جديدا يريد أن يأخذ مكانه. شيء يشبه الوله، ويسمونه الخيال والجموح. كانوا يطرقون برؤوسهم بين يديه، ويبكون، ويطلقون الزفرات، ويذكرون له أحلامهم كأنها اعترافات. كانوا يقبلون يديه، ويعترفون أنه لولاه لما عرفت أحلامهم طريق النور، ولا أدركت أخيلتهم معنى الوجود.
اقتربت منه، وأطرقت برأسي، وبكيت:
- رأيت أمي بالأمس. احتضنتني بين ذراعيها وحملتني نحو السحب.
مسح على رأسي، وهو يرفع وجهي كي أواجه عينيه:
- وستراها غدا..وبعد غد..لم يعد بينكما حجاب..
- صرت أطير!
- مبارك لك الأحلام!
- هل أذنبت؟
- أذنبت في عرف "الكشاف" وعند قانون "الحقاني" ..ولكنك بالنسبة لأمك، فإنك أخيرا وصلت!
شعرت بغصة في نفسي..كأنها وكزة حادة نبتت في جنبات صدري.
تركته وذهبت، ثم سمعت جلبة من حيث تركته هناك. دخلوا عليه، وقيدوه ، ثم أخرجوه ليواجه السماء بجسد عار. تفسخ الليل، وحضر النهار ومعه سياط من لهيب الشمس، وحضر "الحقاني" وسط حاشية من الجموع. وخلفه كان "الكشاف" يتفرس فيه كذئب ينوي الانقضاض، أخذ يتفرس في وجهه النحيل، ولحيته السارحة. تواجهت العيون كما الفرسان في المعارك. عيناهما تحملان بريقا حادا، بريقا كنصول السيوف. أطرق "الكشاف" رأسه، ثم استدار نحو "الحقاني" وقد احمرت عيناه كالدم. لم نره بعدها. اختفى ذلك الذي حرر فينا الجموح، وألهم خيالاتنا الحرية. وشعرت بغصة في نفسي ووكزة.
ظللت أمارس الأحلام. طرت فوق السحب، وسبحت فوق الموج، ورأيت أمي، بيد أنها كانت حزينة، كأنها تبكي، أو تعاتبني، ثم تلكزني في جنبات صدري. لم يا أمي؟ هل أذنبت؟ حين كنت أسألها كنت أصحو. لم يبلغ الحلم حد الجواب قط، ثم إني لم أعد أراها. وحين كنا أنا وبعضهم نجتمع في الخفاء، حين يجن الليل، نتحاكى عن أحلامنا، لنمارس معا معاني الدهشة والجموح، أسمعهم يتهامسون بأنهم رأوه، إلا أنا! كلهم حكوا أنه ذهب إليهم وذهبوا إليه..وأنهم بكوا بين يديه. ولكنه بالنسبة إلي لم يزرني ولا مرة. فقط كنت أسمع أنينه. ضعيفا خافتا يتهادى. لماذا أيها الحالم؟ هل أذنبت؟ توقفت لدي كل الأحلام، ولم أعد أرى جموحا أو خيالات طائرة. ما عدت أرى سوى فمي، يبدو كبيرا وأسود، وهو يهمس في أذن رجل ما، بعينين كبيرتين، وحادتين، تحملان بريقا كعين الكشاف!
قل لي أيها الحالم..هل أذنبت؟
قد تكون صورة ‏نص‏

ندم بقلم / محمد السيد على


 ندم

فجأة هاج البحر واضطرب ، وضربت أمواجه الشواطىء فأغرق كثيرا من المصطافين ، فخاف الناس ، وغادروا شواطئه .
وفى اليوم التالى هدأ البحر وسكنت أمواجه وعاد لطبيعته ، نظر حوله فوجد شواطئه خاليه من الناس
تساءل حائرا أين المصطافين ؟
أين أحبائى الذين يعمرون شواطئى كل يوم ؟
لماذا تركونى وحيدا ؟
فعاد إلى نفسه نادما وحزينا
وقال
ليتنى تمالكت نفسى
_________________________
بقلم / محمد السيد على

الرواية بين المتعة والفن بقلم / ناجح صالح


 - الرواية بين المتعة والفن

سألني سائل أليست الرواية ضربا من ضروب المتعة واللهو ، فما جدواها وما نفعها ؟
وقبل الاجابة على هذا التساؤل الساذج أقول أن القرن التاسع عشر شهد مولد أدباء روائيين في بعض أقطار من العالم كانت لهم مكانتهم المرموقة .
ففي روسيا وحدها كان تولستوي وتورجنيف ومكسيم غوركي ودستوفسكي وتشيخوف .. وهؤلاء كانوا قمما شامخة ، أثروا الانسانية بشرارة أفكارهم المتوقدة ، وأنهم وصفوا المجتمع الروسي وصفا دقيقا بما فيه الطبقة الحاكمة المترفة التي أذلت شعبها الذل المقيت ، وكيف كانت معاناة هذا الشعب المغلوب على أمره بما كان يحتويه من فقر وبما يفتقده من حرية .. وهي أسباب دفعت الى الثورة فيما بعد .
وفي فرنسا كان فيكتور هيجو وأميل زولا و بلزاك يضعون لمساتهم السحرية في وصف ذلك المجتمع أبان تلك الحقبة الوصف الدقيق المحكم لنتعرف على كل شاردة وواردة ، وعلى ذلك الترف الذي يحظى به البعض بما فيه من لهو وعبث ومجون .. انها باريس مدينة الفكر والأدب والمتناقضات ، فيأتي القلم ليتحدث عن أجواء ما كنا نعرفها .
وفي بريطانيا كان ديكنز ومن قبل كان شكسبير ، واسم ديكنز وحده في عالم الرواية ما يحدث ضجة لما كان لقلمه من سحر عجيب ووصف مذهل .. ترى كيف كانت لندن في تلك الفترة رغم الثورة الصناعية التي ابتدأت منها ، وكيف كانت طفولة ديكنز نفسه .. ألم تكن طفولة بائسة تعسة !
في قصة مدينتين يتراءى لنا المشهد وكأنه قريب عنا نتأمله ونتحسسه ليصيبنا دوار من ذلك كله ، انها رحلة طويلة معقدة بين لندن وباريس ، فأي وصف يسحرنا به ذلك القلم .
وفي عودة الى السؤال المطروح ، فان الرواية هي فكر وأسلوب وفن ، تلك هي الرواية الهادفة الجادة ، ولا شأن لنا بالرواية الرخيصة التي تثير في القارئ غرائزه الحيوانية .
انه حقا لا تخلو الرواية من متعة ، لأن هذه المتعة هي التي تقودنا الى الاستمرار دون توقف ، وفي ذلك فن قلما يقدر عليه الكثيرون .
وهذه المتعة تقودك الى معرفة لست في غنى عنها .. وما العلاقات الاجتماعية الا جزء من هذه المعرفة ، كيف هي علاقة الرجل بالمرأة وكيف هي علاقة كل منهما بالمجتمع .
ثم كيف هو الحب ؟ وبأي منظار ننظر اليه ؟
ترى هل القلم قادر أن يهز مشاعرك ويوقظ فيك أحاسيسك تجاه موقف من المواقف التي غالبا ما تتكرر كل يوم .
وان كان لك ادمان على قراءة الرواية فستجد نفسك يوما مشبعا بل متخما بحصيلة من المفردات اللغوية لم تكن تعرفها من قبل .
واذا كان لديك دافع فطري في حب القلم فستجد نفسك تنقاد رغما عنك الى الابحار في رحلة الأدب ، ولا تجد لك سبيلا للخلاص من أسره ، وسيكون لك أسلوب تنفرد به وحدك .
فأي رحلة هذه التي تكون فيها على وفاق مع هذا الكتاب أو ذاك ، مع هذا الأديب أو ذاك !
انه ذوقك أنت من يدفعك لاختيار الكتاب واختيار الكاتب معه ، ذلك أنك تأنس به وتجد فيه متعة ألذ من متعة الطعام ، اذ هي تغرس فيك أشياء لم تكن تعرفها وأن عقلك بدأ يتسع معرفة وثقافة .
فهذا نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل للآداب .. ترى ما الذي احتوته رواياته حتى ينال هذا التكريم ؟
ان أغلب روايات نجيب محفوظ لاسيما الثلاثية كان أبطالها من أحياء شعبية وسط القاهرة ، هذه الأحياء تزخر بتراث يشد الأنفاس لما فيه من نفحات وايقاع ، علاوة على صراع الطبقات من أجل لقمة العيش ، ودور الطبقة الوسطى سيما فئة المثقفين منها في رسم صورة نابضة للحياة في ربوع المجتمع المصري .
ان الرواية جزء لا يتجزأ من هذا الأدب الزاخر بمعانيه ، لذا فهي عامل مؤثر في اعطاء جرعة من مفاهيم الحياة بكل زخمها وقوتها واندفاعها . ش
قد تكون الرواية سياسية وقد تكون اجتماعية وقد تكون عاطفية ، وقد تكون مزيجا من ذلك كله .
والروائي المتألق المقتدر هو من يمسك زمام العصا من جميع أطرافها لتكون الرواية همزة اتصال بينه وبين بيئته التي يحياها بكل مقوماتها وهواجسها ونبضها .
وبعد ذلك كله ألا نريد أن نتعلم من تولستوي وديكنز وأميل زولا ونجيب محفوظ دروسا في أدب الرواية لتكون لنا عبرة في حياتنا من أخطاء ربما نقع تحت طائلتها دون وعي أو بصيرة . بقلم / ناجح صالح

مشاركات الأعضاء

قدر العرب للشاعر متولي بصل

    قدْرَ العربْ متولي بصل مصر *** غدا يعرفُ الناسُ قدْرَ العربْ وأنَّ العروبةَ  مثل الذهبْ وأنَّ البلاءَ على قدْرِها عظيمٌ وكمْ منْ بلاءٍ ح...

المشاركات الشائعة