Translate

الأحد، 8 مايو 2022

كورونا وأهل الريف د. ابراهيم مصري النهر مصر




 كورونا وأهل الريف

سافر بعد أن أتم تعليمه الجامعي إلى احدى بلاد الخليج العربي، ليجمع مهر محبوبته من بين براثن الغربة وأنياب الرق المقنَّع تحت مسمى الكفالة...
عاد بعد عامين ليجدها قد تزوّجت من موظف حكومي، وافق عليه أبوها برغم أنها أبدت عدم رغبتها في الزواج منه، لكن هيهات هيهات أن تلقى مثل هذه التوسلات آذانا صاغية في مثل هذا المجتمع الريفي...
وأَدَتْ حبها ودفنته في تلافيف مخها وسويداء قلبها، وما كان منها إلا أن أذعنت لأمر أبيها، وإن كانت صورة فتى أحلامها لا تفارق خيالها لحظة؛ بحسن سمته، وأناقة هندامه، وطيب خلقه، ونور وجهه من مداومته على الوضوء ومحافظته على الصلاة.
كتم صدمته بخبر زواجها لم يبدها لأحد، استحضر أول صورة لها طبعت في ذهنه؛ وهي تجلس خلف أبويها في الحقل وغروب الشمس، واختلط شفق الغروب بشفق وجنتيها، ممسكة بكتاب تلوح به بين الحين والآخر لتهش الفراشات التي تزاحمت على نور وجهها...
ثم أطرق مليا، وتذكر أخر لقاء بها قبل سفره بساعات تحت شجرة سامقة أشهداها على العهد "ألا تكون إلا له حتى أخر العمر وألا يكون إلا لها حتى أخر العمر“...
رفع عينيه إلى السماء، تصنّع رباطة الجأش، افتعل ابتسامة عريضة على شفتيه...
تزوج من غيرها وسافر ثانية مثخنا بالجراح، مخبئا جثة حبه القديم في مقبرة تفوح عطرا بين أضلعه كلما نبشتها مخالب الذكريات...
طالعتنا وسائل الأخبار المسموعة والمقروءة والمرئية عن منظمة الصحة العالمية، من توخي الحذر وأخذ كافة التدابير والاحتياطات الاحترازية والوقائية، لانتشار فيروس كورونا المستجد، والذي سيسبب وباء وجائحة عالمية قد تودي بأرواح الآلاف من البشر، بل قد يتخطاها إلى الملايين إن لم نلتزم بحظر التجول وارتداء الواقيات واستخدام المطهرات...
أصيب الموظف الحكومي نظرا لطبيعة عمله واختلاطه بالأجانب بكورونا وتم عزله بمستشفى الحجر الصحي، وقامت الجهات المختصة بمنع الدخول إلى قريته والقرى المجاورة لها أو الخروج منها، وأخذوا مسحة من الحلق لجميع المخالطين له، والذين ظهرت عليهم بعض الأعراض.
أظهرت نتائج المسحة إيجابية مسحة زوجة الشاب المسافر وتم عزلها هي الأخرى بمستشفى الحجر الصحي...
عاد الزوج المسافر بعدما علم بإصابة زوجته بفيروس كورونا، فور وصوله وأثناء ذهابه إلى مستشفى الحجر التي بها زوجته، مر على مجموعة من الشباب: شُعث، غُبر، في أسمال بالية، من قرية الموظف الحكومي المصاب المجاورة لهم، يهشون بالعصي على أغنامهم في طريقهم إلى المرعى...
سمعهم يتغامزون ويلسِّنون عليه أنه الزوج المغفل، الذي يزور زوجته ليلا هذا الموظف وهو نائم في العسل في غربته، ولذلك انتقلت إليها العدوى، وتعالت ضحكاتهم الساخرة وهم يضربون كفا بكف...
انتفخت أوداج الزوج غضبا وتقدم ناحيتهم مزمجرا: اخرسوا، قطع لسانكم، والله لتطيرن في هذه الكلمة الرقاب، ولطم أحدهم على وجهه...
وعاد مسرعا ليخبر أبيه وأعمامه وأهله بما حدث، وما يحاك لهم بليل وما تلوكه الألسن من شرفهم وسمعتهم دون تروٍ أو برهان، وأن الخبر ينتشر انتشار النار في الهشيم، مخلفا لهم العار والشنار...
استلّوا بنادقهم من مخابئها وعمّروها وساروا في سرداب الثأر للعِرض مدجّجين؛ التقى الجمعان عند منعطف الجهل، تبادلا اطلاق الأعيرة النارية، ولولا تدخل الشرطة والمشايخ والعقلاء من القرى المجاورة ومن الطرفين لراح ضحية هذا المنعطف الكثير...
بعد كر وفر، وشد وجذب، توصّلوا إلى جلسة عرفية للفصل بين الطرفين، وأُرجِأت لحين شفاء المريض والمريضة...
ظل الزوج يقتله ما يقال من وراء ظهره من خيانة زوجته له بدون دليل، وزوجته لا تعلم عما يقال عنها شيئا، ولم يستطع رؤيتها إلا مرة واحدة لا تسمن ولا تغني من جوع، من خلف ألواح الزجاج العازلة لوح لها ولوحت له من خلف الأسلاك الموصولة والخراطيم المثبتة بجسدها.. ليس لدى من يتكلمون في عرضها أدلة تدينها إلا الإصابة بڤيروس كورونا، وليس لديه أدلة تبرئها إلا إحساسه.
بدأت حالتيهما الصحية تسوء يوما بعد يوم، مات المصاب ثم المصابة ومات معهما السر، وظلت بعض الأفواه في الخفاء تنهش لحمهما بعد الموت بدون دليل...
جاءت لحظة الصفر، حان موعد الجلسة العرفية، اجتمع الخصمان في صوان كبير تحت غطاء أمني، استمع المحكّمون لكلا الطرفين ثم اختلوا بأنفسهم ساعة، جاءوا بعدها لإعلان الحكم.
قام أكبرهم سنا وأكثرهم علما وحلما، بسمل وحمد الله ثم قال: توصلنا بعد المداولة إلى أن يتزوج الأرمل من الأرملة.
د. ابراهيم مصري النهر
مصر

أحلامي بقلم / ربيعة مسعودي


 أحلامي

بقلم ربيعة مسعودي
كانت أحلامي تتطاير وكأنها أوراق الشجر تأخذها نسمات عاليا إلى ماوراء الغيوم البعيدة هكذا كانت أحلامي .حلمي أن أعيش كباقي الناس بين أهلي وأحبابي ،وأن أشعر بالسعادة بينهم لكن دائما هناك شيء يجعل من فرحتي تتأجل .
الشيء الذي أعلمه هو يقيني وثقتي بالله التي لا تخذلني أبدا خاصة بعدما وهبني أب حنون ،عطوف، طيب القلب، يعتبرني كإبنته الحقيقية ،كلماتي لا تستطيع أن تصف مشاعري تجاه هذا الرجل الذي يدعمني بكلماته الراقية إنه "أبي الحاج الناجي المولهي "كلمة أبي من اول مرة نطقتها تحمل في طياتها مشاعر الاحترام والتقدير.
أختي وصديقة دربي" سارة الشيخاوي" هذه الأخت الفاضلة التي منحتني ثقتها وحبها لي برغم من بعد المسافات ،أنا أحبها حبا لا مثيل له لأنها ذو أخلاق وخلق عالية ،ابتسامتها تنسيك متاعب الحياة فكل عباراتي لا تفي حقها ،فأنا محظوظة بكوني لدي إنسانة جميلة مثلها صادقة في أحاسيسها.
برغم من قسوة الحياة ومتاعبها ومرضي الذي مازال يلازمني فهو إبتلاء من الخالق والحمدلله على كل حال، إلا أن الله لم يتركني وحيدة بل وضع أمامي إنسان عزيز على قلبي ،يواسيني في أحزاني ويسعد معي عندما يراني سعيدة ،يدعمني ويشجعني على مواصلة الحياة ،جعلني أعرف طعم الحياة معه،فحبي له يزداد يوما بعد يوم ،واشتياق له تخطى كل الحدود .
**مراد** هذا الاسم سيظل محفورا في قلبي مادمت على قيد الحياة.
نصيحتي مني إليكم لا تفقدوا طعم الحياة فهي بيد الخالق فهو مسيرها ،فلا تيأسوا فبرحمته تغير الأقدار واحمدوا الله دائما وأبدا على النعم التي تملكونها.
قد تكون صورة ‏شخص واحد‏

حبل الغسيل ✍️ حسن أجبوه - المغرب


 حبل الغسيل :

في بيتنا الذي نكتريه أو بالأحرى اكترته جدتي لأمي منذ عقود خلت إبان هجرتها من قريتها طريدة جراء فعلتها الشنيعة بحملها خلسة من شاب عشقته فسلمته أغلى ما يمكن أن تملكه فتاة مراهقة في مثل سنها..هاجرت إلى عالم جديد الغلبة فيه لمبدأ الغاب : القوي يلتهم الضعيف،فاستكانت مدفوعة برغبة البقاء الى التيهان في أقدم مهنة عرفه الكون : البغاء..ومنه شاخ شبابها وقل مدخولها ولم تورث إبنتها الوحيدة ( أمي ) سوى التنمر و الخدلان و البيت بأعلى السطح،ماتت الجدة ومعها دفن تاريخ طويل من المعاناة و القسوة.. أدرك أبي كل ذلك مبكرا فهجرنا ونحن صغار وتكررت حكاية مأساة الجدة مع ابنتها وكأن التاريخ يعيد نفسه..يا لهذه الحياة اللعينة،وهذا القدر اللئيم : كان على أمي أن تئدني قبل أن يشتد عودي وأصبح محط أطماع العيون القارضة التي تبتغي نهش لحمي..لا أريد أن أعيد نفس التراجيديا ،سأرحل عن هذا العالم القذر الذي يكرر نفس الحلقة المفرغة و يكرس هيمنة القوي على الضعيف. يا إلهي لمذا خلقتني أنثى ؟ لا أريد أن أستمر في نفس معاناة أمي وقبلها جدتي ! لا أحبذ فكرة الرحيل،ولا أقبل أن أصير لقمة صائغة ووعاء لنزوات الرجال .فيما ذا سينفعني دبلوم التجارة والجميع لا يوظف الا كفاءات الجسد ! سأضع حدا لهاته الديمومة ، لهاته الحياة البئيسة ...
سارعت إلى الحبل الذي تتدلى منه ملابس متعددة الاحجام والالوان ،فككته بعنف وألقيت بما عليه غير ابهة بوابل الامطار والريح التي كانت تتقاذف جسدي النحيل،عقدت العزم على هزم القدر وهذا هو الوقت المناسب مادامت سخط السماء لجانبي فالكل رابض في بيته اتقاءا من هول البرد والمطر . وضعت عقدة الحبل بنحري ووقفت فوق الكرسي الخشبي .. حانت اللحظة الحاسمة لهزيمة القدر ..أتأكد من سمك الحبل الذي سينتشلني من عالم رسموه لي،صعدت فوق الكرسي المهترأ . لن تهزميني أيتها الرياح ، واثقة الخطوات للزواج الأبدي بجحيم القدر دفعت الكرسي... لكن ياللهول لحظة...
- سعاد ! أسرعي ،الاكل على المائدة ! اتركي تلك الأوراق يا ابنتي.فيما ستنفعك ؟
- حاضرة يا حاجة . الغذاء لن يهرب والاوراق التي تزدرئينها هي التي غيرت حياتنا .
✍️ حسن أجبوه
- المغرب -

من العالم الموازي بقلم: نرمين دميس جمهورية مصر العربية


 من العالم الموازي

اهتزت أرجاء القاعة المكتظة بالوافدين من كل حدب وصوب، رافعين لافتات التأييد، ينتظرون بدء الجلسة بفارغ الصبر؛ فاليوم موعد اختيار "بطل العام" الذي سيهتف الجميع باسمه، ويحملونه على الأعناق.
يتجمهر المؤيدون خارج القاعة أملا في الدخول، تدور بينهم مراهنات ومناقشات حادة حول فائز هذا العام، يحاول أفراد الأمن تفريقهم؛ منعا للشجار والمنازعات.
رغم تنافس الكثيرين على اللقب، والذي يتمتع صاحبه وعائلته بحصانات وامتيازات لمدة عام كامل، إلا أنه انحصر دوما بين عدد من القوى، يتناوبونه فيما بينهم، كل على حسب نشاطه وإنجازاته السنوية.
فهاهم أحفاد "الطاعون"، يحتلون مقاعد الصف الأول، منتفخين كالطواويس، تفيض نظراتهم بالكبر والتعالي؛ فقد حافظوا على اللقب لسنوات متتالية؛ بفضل أمجاد أجدادهم، وما حصدوه من أرواح لفترة زمنية بعيدة، فلا مجد يعلو على مجدهم.
تتوسط القاعة عائلة" الأنفلونزا الموسمية" تراقب الوضع في صمت كعهدها دائما، تتحسر على الأيام الخوالى، تتعجب من تجاهل الجميع لها واعتيادهم عليها، حتى أنهم أمنوا شرها لدرجة أنستهم أنها قاتل ناعم، خرج من عباءته أجيال وسلالات عديدة، نالت قسطا وافرا من الشهرة، كأنفلونزا الطيور والخنازير وغيرهما.
أثارت انتباه الحاضرين ضجة عارمة في مؤخرة القاعة، إثر شجار وصل إلى تراشق بالألفاظ واعتداء بالمقاعد، بين أنصار "فيروس سي" الذين يرون أحقيته بالفوز باللقب؛ فهو من احتل الأجساد في صمت لسنوات وسنوات، التهم فيها أكبادهم، ليفيقوا وقد فات الأوان؛ فلا يجدون طوقا للنجاة، وبين أنصار فيروس" شلل الأطفال" الذي اعتقل آلاف من البراعم البريئة في سجون العجز، سارقا فرحة أيامهم بكل قسوة، راسما الدمعة مكان الضحكة، ليتدخل الأمن لفض الاشتباك، حاملا بعضهم خارج القاعة.
فجأة..تغرق القاعة في سكون مطبق، حين دخل ذاك الشاب صغير السن ضئيل الحجم، المدعو "كورونا" والذي ذاع صيته مؤخرا، مرتديا حلة لامعة، يعتلي رأسه هالة ضوئية كالتاج، يسير بخطى ثابته، تعلو وجهه ابتسامة واثقة؛ بينما يلاحظ العيون المحدقة إليه؛ فهو من شل حركة العالم في بضعة أشهر، قبض أرواح قرابة المليون شخص حتى الآن، حار فيه العلماء والخبراء، ومازالوا لا يجدون إليه سبيلا، لذا يتوقع أن يكون بطل هذا العام.
ماجت القاعة هرجا ومرجا من جديد، مع دخول مجلس الحكماء إلى المنصة، ليسأل رئيس المجلس الحضور الهدوء، وإلا ألغيت المسابقة، يبدأ بدوره في فحص أوراق المرشحين، وعندما هم بالحديث، انحبست الأنفاس في انتظار اسم الفائز، ليفاجأ الجميع بقوله:
"رفعت الجلسة للمداولة"
بقلم: نرمين دميس
جمهورية مصر العربية
قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏حجاب‏‏

الاحترام واجب محمود محمد عبد الفضيل / مصر

 


الاحترام واجب

في بدايه حياته وبعد تخرجه من الجامعه سافر حسين الي احد الدول العربيه للعمل هناك و اخد يجمع المال يوما بعد يوم حتى يستطيع أن يتزوج و نظرا الغربه و الوحده التي يعيشها طلب من احد قريباته ان تبحث له عن فتاه ليتزوجها.
وفي إجازته السنويه القصيره ذهب ليري الفتاه ووجدها من اسره متوسطه و متوسطه الجمال فوافق على الارتباط بها
وبعد الزواج التقليدي سافر حسين الي عمله و لكن وجد ان بعده عن زوجته أثر عليه ووجد مكالمتها معه قليله و تقليديه فبحث في مواقع التواصل عن تسليه له يقتل بها الوقت
و بدا محادثات مع احد السيدات في بلده و طال الحديث بينهما و الصور و المكالمات الساخنه
و تواعدا على اللقاء بعد نزوله الاجازه السنويه للزواج سوا حيث شرح لها انه متزوج وهي كانت مطلقه
فطلبت منه أن يرسل أموال حتى تجهز للزواج و توفيرا للوقت و ارسل لها مبالغ كبيره على أمل أن يتزوجها بمجرد نزوله لبلده
و قرب نزوله إجازته انقطعت أخبارها و وجد نفسه محظور من جميع وسائل الاتصال بها
فايقن انه تعرض لعمليه نصب شديده جعلته يخلص لزوجته بقيه حياته
تمت
محمود محمد عبد الفضيل
مصر
قد تكون صورة ‏‏‏‏٨‏ أشخاص‏، ‏‏أشخاص يجلسون‏، ‏أشخاص يقفون‏‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏

الرحلة محمود أحمد العراق / نينوى

 الرحلة

ليس بعطاء وخصوبة البستان ، إذا ما أيقنا أن حجمه بعطائه ، ونتاجه .
بعد جهد جهيد ، وسهر ليال طوال ، حقق الفوز الكبير.
صدحت الأصوات بالفرحة ، إلا الأم، فاستغرب:
- ما لك يا امي ، و أنت بذلت راحتك لأجلي ، ووفرت علي المال والوقت ؛ لأصل ؟
وبشت الأم ( وروح الأم الوليد ) ، أن هناك ما هو أهم، وعليك بني ، أن تبدأ؛ فالطريق جد وعر ، واختصاره ليس بالسهل الهين ، كما تتصور .
أجاب :
- هو ذا يا أمي ، و أنا أعدك. اطمئني ؛ فالقلم اصدق للمرء من صاحبه ، وفقط علي أن أوجهه ؛ خشية الوقوع في براثنه .
فضحك .
وتهلل وجه الأم ، كأنصع ما يكون ، وكما أصفى ، وأحلى عينين رأى فيهما الفتى صورته .
الكاتب القاص : محمود أحمد
العراق / نينوى

جولَةٌ في غُرفةِ المفقودة خالد الرقب _الأردن


 جولَةٌ في غُرفةِ المفقودة

بحذرٍ شديد يتوجهُ فريقُ العملِ نحوَ مكانِ تصويرِ المشهَدبالكادِ فُتِحَ الباب، الغُرفةُ ظلامها دامس، يتسلّلُ إليها شُعاعٌ خافتٌ من نّافذةٍ موصَدة على متنِها قطةٌ لم تصحُ منذُ سنوات عجاف و قفصٌ خالٍ من القوتِ و الماء كانَ قبرًا لعصفوريّن بعدَ أنْ كانَ ملاذًا لهُما سابِقًا
تعلو هذهِ النافذة التي توقفت بها الحياة طبقةٌ من الغبارِ الكَثيف و تقعُ إلى الزاوية اليُسرى من السّريرِ الذي ترتَمي عندَ وسادَتهِ المّمزقة بعضٌ من الدّمى، تنظرُ إلى ملامحها المُخاطَة فترى فمَها مُقوّسٌ للأسفل و العيونُ تحدّقُ بشكلٍ يجعلُكَ تشفقُ عليها، وجّهوا الكاميرا إلى وسطِ السرير فوجدوا دُميةً مبتورةُ اليَد ، حدثَت هذهِ الواقعة التي شغلت الوالديْن، عندما كانت تتشاجرُ المُتوفاة مع أختها و أرادت أنْ تنتقمَ منها فقصّت يدَ الدّمية المفضلة لديها بتربصٍ و هربت على أطرافِ أصابعِ قدميها الصغيرتيْن ، شعرُها مسدولٌ على جسدِها المحشوّ بالقُطن ينعى من كانَ يسرّحه، تشعرُ لوهلة أنّ هذهِ القماشة المحشوّة تبكي و تتحسّر و تشتاقْ! و كأنها روحٌ بشرية، و عينيها المثبتينِ بزرينِ ملوّنين يستولي عليهما الكِدّ و الذبول!
إنّ القصة القصيرة التي رواها سكّانُ السرير ذي السلّم المكسور كفيلة بصُنع حفلةَ بكاءٍ لدى الجمهور المُتابع لهذا الفيلم الذي شهدَ إقبالًا على عكس غيرهِ من المشاهِد.
لا علينا فقصصٌ أخرى مبهمةٌ ستوضحها الكاميرا بعدَ لحظةٍ من الآن.
تحرّكَت النّافذة قليلًا و أصدرت صوتًا إثرَ ريحٍ خفيفة داعبَت زجاجهُ المهشّم،كانت هذا الصوت، السيمفونية الحزينة للحلَقة.
توجّهنا إلى المكتب أو بقايا المكتب إن صحّ التعبير، فوجدنا أوراقٌ متناثرةٌ بالأرجاء و كتبٌ مفتوحةٌ على مصرَعِيها و رواياتٌ أوقفَ أحداثها فواصلٌ مُتآكلة.
كوبٌ من الشايٌ صنعَ العنكبوتُ لهُ شبكةً في جوفه و بسكويتٌ مُحلى لم يبقَ منه غيرَ فتات، أقلامٌ انتهى حبرُها و ساعةٌ من الرملِ تسربَ كلّ رملِها إلى القاع، و صورةٌ مكسورةُ الإطار، و كمانٌ مقطّعُ الأوتار و قرصُ الموسيقى الكلاسيكية توقفَ عن العمل، و هاتفٌ مهجور، أزرارهُ بكماء و سمّاعتهُ صمّاء، دفترٌ من الذكرى لم يُفتَحْ مُذ فارقَت مدوّنتهُ الحياة حتى أنّ قِفلهُ موصَد و مِفتاحهُ مخبأٌ في مكانٍ مجهول،علبةُ مناكيرٍ جافّة و مزهريّاتٌ ذاتَ أزهارٍ ذابلة .....
بجانبِ هذا المكتبِ الميّت تقبعُ خزانةٌ آيلةٌ للسقوط فارغةٌ لا تحتوي على شيء غيرَ خربشاتٍ منمّقة بريئة و لوحاتٍ صغيرة و صورٍ معتقة علّقت على أبوابِها - يُقالُ أنّ الأم انتشلت قطعة من ملابسها الصغيرة على عُجالة حتى تحتفظَ بشيءٍ من عطرِ ابنتها-.
أُغلقَت الخزانة بأسًى و إلى جانبها درّاجةٌ غطّاها الغُبار، مستندَةً إلى الحائط بحُزن، هي نفسها الدراجة التي تركبُها الفتاةُ في هذهِ الصورة
- وُجهت الكاميرا إلى الحائط المرقّع ببضعةِ صور عتيقة وقتئذٍ-
لكن الموتَ انتشلَ رفيقةَ الدراجة بلا سابقِ إنذار
السقفُ يا سادَة تخضبهُ الرّطوبة و المكانُ بكلّ تفاصيلِه بائس، تكادُ تشعرُ أنّ هذهِ جِنازة و جميعُ الأشياء بالغُرفةِ أقامت الحداد حتى اللحظة و ربما بل حتمًا للأبد.
و عندما أجروا مقابلة مع والدةِ الطفلة كانت بحالة يُرثى لها فقالت بصوتٍ وُلِدَ من رحمِ الدّموعِ :
- في كلّ ليلة أسمعُ نُواحًا مصدرهُ هذا المكان
فكانَ هذا جوابَ سؤالِ الحلَقة
(هل تحزنُ الأشياء على صاحبها حين يموت؟)
قالَ الحضورُ بصوتٍ موحدٍ ذي نبرةٍ حادّة تعزفُ أشجانًا:
نعم نعم، فكراسيّ السينما لم تعد تريدنا أيضًا
أسدلَ الستار و غادرَ الجميع كلٌ يكفكفُ دموعه.
خالد الرقب _الأردن
قد تكون صورة ‏‏‏شخص واحد‏، ‏‏لحية‏، ‏وقوف‏‏‏ و‏منظر داخلي‏‏

"نزيف قلب" فدوى الحريزي / تونس




 "نزيف قلب"

تعرفت عليه في ريعان أنوثتها وقمة توهج سحرها الأخاذ. كان لا يشبه أناقة ولا شأن من تقدموا لخطبتها إذ لم يكن على قدر كبير من الوسامة ولا حتى الإثارة.
بشرة سمراء داكنة... شعر كسواد الليل تتموج فيه بعض خصلات الشيب... عينان سوداوان تتراءى منهما نظرات انكسار وشفقة على نفسه أمام جبروت رقتها... موظف بالبريد بأجر زهيد لا يمكنه من سد حاجياته إلى جانب مصاريف أمه المريضة.
لماذا عشقته حد النخاع؟... لا تعرف... ربما لأن البقية تقدموا لها مفتونين بجمالها... تدفعهم غريزة الامتلاك لجسد مفعم بالخيرات... تحفة سيزينون بها منازلهم ويتباهون بها.
أما هو... فقد عشق روحها... فهامت هي وجدا في كله.
ومارست السعادة بين أحضانه... وتعرت من كل قيودها وجمحت بكل ثقة على ساعديه وتركته ينهل من شهدها حد التماهي.
كانا على تنافر شكليهما مثل نغمتي الموت والحياة... هي ببياضها الناصع المشرب بحمرة... وهو بقتامة لونه... كلحظتي شروق الشمس وغروبها... متفارقتان... متلاصقتان... متباعدتان زمنيا... وطيدتان وجدانيا.
وظل حبهما سرا في سراديب صدريهما... لا يعلمه غير جدران بيت جده المهجور الذي كان يلتقيان فيه آخر الحي... وظلت تنتظر حتى يتمكن من جمع المال ليتزوجا.
انقضى النهار... وتراجع المساء زاحفا... منهكا... بعد أن لملمت الشمس آخر عقود لها... وتركت ساحة الوغى لمردة الليل... تنشر الظلام مرفوقا بسكينة مقدسة.
رن جرس الهاتف مدغدغا ذلك الهدوء الرهيب... إنها صديقتها ليلي:
-مرحبا... كيف حالك
-بخير... أردت الاطمئنان عليك... تركتك بعد آخر زيارة شاحبة الوجه... هل راجعت الطبيب؟
-لا... لا داعي... قليل من الإرهاق فقط... ماهذا الضجيج حولك...انا بالكاد اسمعك؟
-آه.... الليلة عرس جارنا علي
فتحت فاها.... تلبد ذهنها... ربما لم تسمع جيدا
-علي........... من علي؟
-علي...موظف البريد في حينا... أمه على فراش الموت... وقد أصرت على تزويجه بابنة خالته قبل موتها لذلك أقام عرسا بسيطا نظرا لاستعجال أمه ولقلة ذات اليد.
سقطت السماعة من يدها... كم تمنت لو تتوقف كل حواسها... كم تمنت لو يتعطل ذهنها فيستعصي عليه فهم ما يجري.... ولكن... بركان من العذاب بدأ يثور في داخلها... في هيجان كبير... من أخمص قدميها... إلى أعلى رأسها.
يتزوج.... كيف يتزوج... منذ سويعات فقط كانت برفقته... عاشت معه الشبق... ولحظات العشق المجنونة... أحست رجفته... ظنتها رجفة الوله المحترق... ولم يدر بخلدها أنه كان يحتضر على راحة صدرها... وأن تلك الرجفة... لم تكن إلا سكرة الموت... في غياهب الشغف المشجون.
دخلت غرفتها ثم ولجت المطبخ... وغادرته مسرعة
-رحاب... إلى أين؟ الوقت متأخر....
لم تجب أمها...ركضت كالمجنونة... الطريق مظلم... الصمت يخيم على عتمة دربها... تحاول فتح عينيها لتتضح لها الرؤية.. فتتوهج أمامها فوانيس العرس... تغمض عينيها.. تواصل الركض... أصوات الطبول تقرع أذنيها وسط ذلك الصمت..... مازالت تركض.... تلهث... الدماء تتقاطر على الأرض...الطريق يلف بها ويدور كدوامة مجنونة.
توقفت...تاهت... ضاقت عليها الأرض بما رحبت... ظلت كل الأشياء تدور من حولها كإعصار مدمر... تراءى لها علي وسط تلك الفوضى...ببدلة العرس... التي اشترتها معه ذات مرة من العاصمة... وربطة العنق الحمراء التي اصرت عليها رغم أنه كان يحبذ اللون الأزرق... والحذاء والجوارب اللذان كانا هدية منها في آخر عيد ميلاد له.
احست بالغثيان... عادت إلى الركض.... وظلت الدماء تتقاطر... أنفاسها بدأت تتقطع... ونبضها يتباطىء شيئا فشيئا.
فتحت عينيها ببطىء... بياض ناصع يلف المكان....حتى لباسها أبيض... ترى... هل هو البرزخ؟ عالم مابعد الموت... العالم الذي تمحي فيه احباطات الدنيا وانكساراتها. ولكن الألم يعتصر قلبها... حتى في العالم الآخر لازالت تتألم! ؟؟؟؟
قطع أفكارها أصوات خارج الغرفة
-دكتور... كيف حالها الآن؟
-لقد ضمدنا معصميها.. الحمد لله لم تقطع كل شرايينها... توقف النزيف... ولكننا اضطررنا إلى إجهاض الجنين.
-جنين..... أي جنين؟
-ابنتك كانت حاملا سيدتي.
توقف جفنها عن الحركة... دارت برأسها في أركان الغرفة رفعت يديها بوهن شديد ووضعتها على بطنها.
جنين..... أي أنها كانت تحمل قطعة منه في جرابها... اشتد بها الوجع إلى درجة أنه فقدت معه كل الأحاسيس. حاولت أن تخفي نفسها براحة يديها... ولكن راحة يديها لم تسع كلها.
فقدت علي... وقتلت ابنه.... أي حرقة هذه... وأي صبر يستطيع أطفاءها.... أخذت تئن.... ألم داخلها طغى على جروح ما تحت الضمادات.
سمعت خطى الطبيب تبتعد رويدا... حاولت التكلم... منعها الألم... نادت بصوت متحشرج كأنه يخرج من أعماق بئر عميقة:
-تعالوا.... ضمدتم جراح الجسد... ونسيتم جراح قلبي.... قلبي ينزف حد الموت... تعالوا... أوقفوا نزيف قلبي....
ضاع صوتها المتقطع وسط صخب المستشفى. أغمضت عينيها في محاولة يائسة للهروب من ذلك الكابوس... فتناهى إلى سمعها صوت رضيع... يهز صدى بكائه أرجاء الغرفة.
فدوى الحريزي تونس
قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏نظارة‏‏

هرطقة حُلم الكاتبة سحر حسب الله العراق/بغداد

 



هرطقة حُلم

طفلة صغيرة والفراشات تتقافز حول اكوانها الخاصة ومحاورها.
طفلة حالمة تتميز بمناخها المنفرد ،
وفي مساءً ما كبرت فجأة وبلا مقدمات ،بلا تفكير،بلا تردد ،بِلا بكل ما تحمله تلك الكلمة من ابتلاء!!
كبرت فجأة فوجدت نفسها بثوب الزفاف الابيض،أمام القسم لتأدية مراسيم الزفاف!
ويقف امامها رجل صخم، مفتول العضلات، تقاسيم وجهه مخيفة!
وكُلما يقترب منها خطوة ،كلما لسعتها أنفاسه الموبوءة كهواء الثكنات المزدحمة بالسجناء فتتراجع خطوتين !!
لا تستطيع الصمود اكثر اصبح داخلها كبركانٍ سُدت فوهتهُ ،فأغمضت عيناها والتفتت للوراء حيث تقف والدتها وصرخت قائلة:
-لا أريد الزواج يا أمي ،أريد ان اكمل دراستي، قالت باكية وبأسىٍ ،
-اصمتِ ابن عمكِ أفضل من غيره شاب متعلم ،وسيم، ذو نفوذ،
-لكني لا أحبه يا أمي؟
-لا تتفوهي بمثل هذا الكلام لأن أبيكِ سيقتلكِ إذ سمع هرائكِ يـــــا دارين ،
جرت لاهثةً يتملكها العبوس والحزن بفستانها ذات الاكمام الطويلة،
تركت الحفل في منتصفه وواصلت الركض الى غرفتها ، وقفت وحيدةً وكلهم ذهبوا، بقت عالقة كانها تدور في ذاتها كقلادة علقت في مرآة سيارة،
في مكان يبعثُ للغثيان ، كانت العتمة تحتقر الظل، طبقية قاتمة ،وعلى ضوء شمعة شحمية قصصت شعرها الطويل ذات الخصل السميكة،
ثُم اتجهت إلى سريرها جلست واضعة رأسها بين كفيها تفكر كيف تنام وتصحوا بلا هذا الهراء!!
تبرعم الحزن داخلها كثيراً،
بعد وقت قصير تلمست ناصيتها حرارتها مرتفعة ،صدرها يعلو ويهبط ، ثم وضعت يدها على جعبة الالمونيوم وتناولت قبضة حبوب مهدئة !
ولم تستطيع ابتلاعها ولكن رشفة ماء ساعدتها على ابتلاعها بالكامل ، بعد لحظات شعرت بصفعة مدوية التصقت على وجهها مما جعلتها تتكوم على سريرها من جديد،
وفي الصباح الباكر فززت على اصوات غريبة، بريقٍ جاف وفمٍ محقن ، على أصوت المنبهِ واصوت نقرات المطر وهي تــــــــتــــــــرك ندوباً على الزجاج !!
رفعت رأسها وإذ هيَ تغفوا في الصالة ،ورأسها ممدد على الطاولة ،كانت مجهدة جدًا ،ثم قالت وهي تضحك ضحكة هيستريا : أنه وقت الدوام،
الحمدلله أنه حُلم مزعج ظننته حقيقة…
قد تكون صورة ‏‏شخص أو أكثر‏ و‏نص‏‏

مشاركات الأعضاء

قدر العرب للشاعر متولي بصل

    قدْرَ العربْ متولي بصل مصر *** غدا يعرفُ الناسُ قدْرَ العربْ وأنَّ العروبةَ  مثل الذهبْ وأنَّ البلاءَ على قدْرِها عظيمٌ وكمْ منْ بلاءٍ ح...

المشاركات الشائعة