سهرة فوق العادة
_ سكبت الشّاي ، بعد الإفطار مباشرة ، في قاعة الجلوس ،عدّلت الشّاشة ، تبحث عن مسلسل درامي تعدّل به نكهة سهرات رمضان، كان الجينيريك والعنوان جاذبا ،،، باهتمام بالغ كانت تتابع الأحداث..
....ماذا ترى ؟ ...ماذا تسمع ؟! تكاد لا تصدّق ...!! تنتفض ،يزيد ارتباكها، تسارع إلى جهاز التّحكّم وهي تستحضر كلّ الفاظ القرف والاشمئزاز والرّفض
_ قائلة:" ما هذاالاستهتار؟! وكم هو فجّ هذا القبح
الذي رايته....!
نظرت بجانبها الأيمن لتلمح ضحكة مكتومة تبادلها كلّ من رحاب ابنتها البكر وسليم .
دلفت إلى المطبخ دون ضجيج ، لتعدّ لهما "البوزة" بينما الغضب والحنق يجتمعان في صدرها،
عقلها يضجّ بواقع اعلامي يتمادى في بثّ سمومه ، فهو يضيف جرعة تطبيع مسمومة مع مظاهر اجتماعيّة واخلاقيّة فيها الكثير من التمرّد والإنحلال ، زد على وسائل تواصل مشرعة على أبواب الشرّ ! بلا حسيب ولا رقيب ، ،،
شعرت بمنسوب ضربات مطرقة الحيرة تدق ّبعنف أفكارها ،ووجع ينتاب املها المدسوس في أبنيها ...
من مدّة ،اكتشفت ابنها وهو يسجّل على هاتفه "لعبة الحوت الازرق" ، أعدّت كلّ عدّتها التربويّة والعاطفيّةلتفتح معه حوارا يصل به لقرار محوها ، وهي تستحضر هذا الغول الذّي أدّى بالكثير من الأطفال إلى هاويّة الانتحار،، ،
أيّ أبالسة هؤلاء لا تراهم ، إنّهم جنون التكنولوجيا ؟!
،
رفعت رحاب وجهها تجاهها قائلة بنبرة هامسة:
_ أمّي ,زائد سكّر ها تحليّة، هذه اللّيلة ، على غير عادتك ،فأنت حريصة على التّخفيف منه خوفامن عواقب استهلاكه!
حضنت وجهها بكلّ عطف ، كأنّها تعتذر عن غفلتها
وعادت بخطوات قليلة أرتمت على الأريكة بثقل المهموم ، وهي تحاول لفت انتباه سليم لها ، لأنّه لم ينتبه لتذوّق "البوزة" فهو منصهر التّركيز في شاشته ...
أطلقت زفرة من أعماق خوفها ، على أولادها، لتخبرهما أنّ امست
قلقة عليهما ايّما قلق ...
و لتخبرهما بأنّها امست بلا عقل
، وانّها قلقة لأجلهما:
_كنت مجبرة على اقتناء هواتف ذكيّة لكما ...!!
قالت رحاب : " أمّي أنت هشّة كقطرة ندى ، تحيلك الهواجس في لحظة لكتلة من قلق على كينونتنا.. .."
لم تكمل حديثها حتّى وضع سليم هاتفه جانبا
و همس مطمئنا والدته : " هذه الوسائل ضروريّة ولها أيضا استخدامات مهمّة ،فهي جسر التّعلم عن بعد ...
انسيت زمن الجائحة ،ماما ؟!
ماما أحبّك ..لا تقلقي !
قطع حوارهم ، استدارة المفتاح في قفل الباب ، هلّلوا مرحبين بوالدهم العائد لتوّه من صلاة التّراويح ..
تعجّب من صخب أصواتهم المخترق الباب الخارجي على غير العادة ،، وانتابه ذهول عندما شاهد محطّة غير التّي تعوّد بحضورها في سهرات رمضان !
اكتفى بتلويح ابتسامة الفاهم ، لن يفوّت هذه اللّمّة ، ودخل غرفة النّوم ليغيّر ملابسه ويعود لسماعهم ...
سعيدة محمّد صالح _تونس