Translate

الأربعاء، 8 يونيو 2022

" نظرة حائرة " قصة قصيرة الكاتب / يسري ربيع داود... مصر


 " نظرة حائرة "

قصة قصيرة
الكاتب./ يسري ربيع داود... مصر
............
شق صياحُ الديكة سكونَ الفجر ، البيت كله أصبح في حالة حركة بعد الصلاة ، أمي تجهز حقيبة ملابس لوالدي تكفي يومين لا أكثر ، بينما أبي على حصيرٍ في دهليز البيت يعبث في مسبحته ويحدق في سكون مطبق ، أبصرته من خارج الباب الرئيسي للبيت عبر نافذته يلقي على جدران البيت وغرفه ونوافذه نظراتٍ عجيبة، كأنه يودع البيت الصغير الذي يعتبر محصلة تعبه طوال أعوامه الستين، يمسح دمعة انحدرت على خطوط وجهه وتجاعيده، بدا جسده نحيلًا من أثر تعبه المتواصل في السنتين الأخيرتين، قام من مقعده وتحرك خطوات إلى الغرفة المقابلة ، تحركت قبالته ، رأيته يطبع قبلة على جبين أختي الوحيدة ذات السنوات الخمس ، خرج من الغرفة يترنح، يبدو عليه آثر التعب والمرض فبدا شاحبًا كأن قلبه يلفظ أنفاسه قبل أن تبدأ يد الطبيب في علاجه .
من الخارج علا صوت عمي الأصغر :
_ تعجل يا حج ، نريد ان نصل إلى المعهد قبل الظهر.
سمعت تنهيدة أمي من غرفتها، تدعو من قلبها :
يارب.. ليس لنا غيره، يارب عجل شفاه لأجل خاطر بنته الصغيرة. يارب لأجل حبيبك النبي اجعل الشفاء من نصيبه وقسمته.. يارب رده إلينا معافًى سليما.
خرجتْ لتساعد أبي.. ينظر إليها بانكسار، يبدو أبي لأول مرة محطمًا .. أفلت ذراعه منها بيسرٍ، لم يحب أبي أن يسنده أحد، فلم يعرف الضعف طيلة عمره.. ينظر إليها.. طالت النظرة، ومع دمعة رقراقة قطع الصمت بدعائه :
استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
تحركت السيارة أشار لأمي إشارة مسافر، فهوت أمي على ركبتيها ، بدأ البيت يصغر شيئا فشيئا.. المصباح الأصفر على باب البيت يتماهى مع أنوار الشوارع.. ذاب البيت في الملكوت حتى تلاشى ، ودعت نظرات أبي الحانية كل شيءٍ في الحي، لم تنس نظراته حتى طوارق الليل من كلاب الحي وقططه ... وعندما وصلنا إلى المستشفى في قلب المدينة كان الوقت قد قارب الظهيرة، طلب أبي أن نصلي قبل الصعود إلى الطبيب.
بعد الصلاة دارت عيني في المصلى، لم أجده، خرجت مسرعًا تسبقني دقاتُ قلبي الذي يأبى بعنفوان أن يبقى مستقرًا في مكانه... تذكرت وأنا في تخبطي أنه لم يتكلم معنا طول الطريق.. كانت ردوده علينا مقتضبة.. انشغل الوقت كله بتمتمات.. علمنا أنه يذكر الله ويدعوه تارة، وتارةً أخرى يذكر بصورة واضحة اسم أختي " ليلى ".. . كان ينظر إليَّ.. عينه تطلب مني طلبات كثيرًا ما كان يرددها علي :
_ أمك يا بني ليس لها غيرك.. لا تدعها وحدها في معمعتها.. أختك ما زالت صغيرة فارعها وحافظ عليها ؛ " ليلى" كعودٍ أخضر يحتاج من يسهر عليها .. اترك اللهو واللعب وانتبه لمذاكرتك.. أفق يا بني من غفلتك .
حفظت كلامه من كثرة ترديده على مسامعي، تذكرت يوم أن تململت من كثرته فربَّتَ على كتفي بحنان .. قال لي يومها :
_ يوما ما ستعي كلامي عندما يسقط عمود البيت!
لم أعِ قوله، رغم أنني أعرف مقصده.. تذكرت ذلك فجأة فخرجت اتكفأ.. سمعت هرجًا ومرجًا في الخارج، شققت الصفوف لأجد عمي يحمله على صدره.. تتساقط سيولُ الدموعِ على وجهه.. وما أن تلاقت نظراتُنا الحائرة أدركت قول أبي ..
"لا تترك امك وحدها، واترك اللهو واللعب وحافظ على ليلى" .

قبل الوداع بقلم / محمد عبد الهادي - مصر


 قبل الوداع

جلس وحيدا في الشرفة الغربية، عتمة الليل ابتلعته، تحسس ذقنه الخشنة، حدثته نفسه عن معاناته مع مشيتة العرجاء وقلبه المنهك، تذكر عصبيته وحماسه وصوته الرنان، وأيام القهوة والسهر والجدال مع الأصدقاء، ذرف الدمع عندما اشتاقت روحه لولده الوحيد الراقد تحت التراب، الكل تركه وذهب.
نادته زوجته من خلف النافذة المشروخة.
- لقد غشاك الظلام والمصباح فوق رأسك منكسر، ادخل قبل أن تتجمد من البارد القارس
طلب منها بطانية،التف بها وأشعل شمعة بجواره، أضاءت الفراغ الشاسع الذي يخنقه بقسوة.
نادته زوجته مرة ثانية
- البرق ينذر بما هو قادم، لن تتحمل، ادخل يرحمك الله
أشار لها أن تقترب، أدار الشمعة نحو وجهها رأى به عوالم لم يراها من قبل، ابتسم ابتسامة طفل في شوق لنهد أمه، أخذته في صدرها، في صمت
- لقد تأخرت سنينا
انطفأت الشمعة، انتحبت، لم يسمع الشارع الطويل صراخها.
بقلم / محمد عبد الهادي - مصر

الثلاثاء، 7 يونيو 2022

يبيع بالآجل بقلم / إبراهيم الديب - مصر


 يبيع بالآجل
  بقلم / إبراهيم الديب - مصر

رجل على شيء من اليسار وبعض المعرفة التي تتمثل في القراءة والكتابة علاوة على ذكائه الفطري وقوة شخصيته وانتسابه لطبقة ملاك الأراضي سابقآ ، أهله كل ما سبق: لمكانة وسط الفقراء وفي نفوس الفلاحين الأميين إلا قليلاً
والذي يبيع لهم علف الماشية من المحل الذي يملكه.
هذا الشخص له فلسفة خاصة به فهو يسعى ويرغب أن يكون بيعه بالآجل أكثر من الفوري: لعلة في نفسه مفادها: أن الفلاح عندما يشتري بالآجل يتورط في الدين بصورة كبيرة دون أن يشعر ويقوم بشراء بضاعة أكثر حبذا لو: كان من الفقراء شبه المعدمين، وما أكثرهم كان يظهر بصورة الميسر على عباد الله، ولكن هناك حاجة في نفس يعقوب، فطالما الفلاح اسمه داخل الدفتر الذي أقرب في صورته من الذي: كان يحمله "مسيحة افندي" في فيلم الحرام فلن يستطيع هذا الفلاح شراء علف لبهائمه دكان آخر، أقل سعرا ... هذا الدائن على معرفة جيدة بمواطن ضعف كل شخصية من زبائنة، وعلى علم أكثر بأماكن تواجدهم على المقهى: مساءا فكان يذهب إليهم خصيصاً أثناء فترة تواجدهم، فيطلبون له شاي بعده قهوة قبل أنا تأتي المعسلة ،التي تعقبها أخرى كل هذه الطلبات ترضية له من وجهة نظر من عليه الحق كي لا يطالبه بالدين الذي يسكن الدفتر ،الذي سمكه أكثر من عشرة سنتمتر وبحجم قرصة الشفنير، أم لون جلدته التي لا يعرف أحد ماذا كانت في الماضي البعيد أعتقد :أنه وجلدته السميكة قطعة ابلكاش سميكة يعود تاريخ هذا الدفتر العتيق العريق لفترة الحكم العثماني.
كان يفعل ذلك مع زبائنه البساط المهمشين جميعاً الفقراء المعدمين المطحونين. أما آخر زبائنه فكان الرجل هذا سعيد أيما سعادة بمعرفته فهو: أجودهم جميعاً واكثرهم كرما، كان يأتيه بعد الشاي والقهوة والمعسل: بسفن أب وأحيانا بكحك بملبن وعجوة إذا شعر الرجل بالجوع ، استمر هذا الوضع فترة دون أن يدفع الزبون لصاحب الدكان جنيها واحدا، ولم يطالبه أيضاً صاحب طالما أن القهوة تأتي بعد الشاي مباشرةً والمعسلة مع كل منهما ثم فترة قصيرة يكون: السفن اب في فمه وبعدها بقليل الكحك أبو ملبن وعجوة...ثم أخرج الذي عليه الدين من جيب الصديرى قلم كوبية من حقبة تاريخية قديمة يبدو أنه من عصر المماليك، ونوتة بحجم كف الرضيع، وقال لصاحب الدين: الآن ننتهي من الحساب وجمع له حساب: كل ما تناوله من شاي وقهوة وسفن وكحك بملبن وعجوة على مدار الأيام السابقة، قبل أن يقول له إحنا كده خالصين ، بما تناولته أنت مقابل علف البهائم وعليه كحكة من عندي ، ثم قطع ورقة النوتة التي بها الحساب، وتركها في جيب جلباب صاحب الدكان، و أردف بعد إذنك يا عم الحاج تأمر بحاجة أصل ورايا مشوار ...

رماد قصة قصيرة سمير عبد العزيز- مصر العربية



 رماد

قصة قصيرة
سمير عبد العزيز- مصر العربية

تقلبت فى فراشها فى محاولة للنوم ..عبثا تحاول فرأسها يكاد ينفجر من كثرة التساؤلات والحيرة ..أضاءت الأباجورة الموضوعة على سطح الكوميدينو ...قالت فى ضيق ممزوج بالبكاء وهي تخبط بيدها على الفراش : ما الذنب الذى أقترفته لكى تجرحنى وتتزوج بأخرى ؟ اليوم حلا بعينك غيري بعدما قضمت شبابى وعمرى أيها الخائن ...غادرت الفراش وهى ترتجف .. أضاءت الغرفة...فتحت خزانة الملابس وأفرغتها أرضا ثم أفرغت الأدراج وبعثرت محتوياتها زفرت غاضبة وجثت على ركبيتها اصطدمت يدها بألبوم صورها ..فتحته ..مرت بيدها على صورتها وهى بفستان الزفاف ..شعرت بالأختناق يمتلكها .....زاد بكاؤها وشهيقها وهى تنظر لصورها معه...مزقتها وهى تصرخ بهستيريا: خائن ..خائن..ثم أحضرت مقصا ومزقت ملابسه بقسوة وهى تتخيله بداخلها .

اللحظات الأخيرة... زينب محمد علي - مصر


 اللحظات الأخيرة...

طافت كل أركان غرفتها، لم تجد مفرًا من الهرب، لقد ضاقت عليها الجدران، ولم يعد هناك مهرب، تساءلت لماذا؟ لماذا بقيت هكذا عاجزة ووحيدة، فاقدة ومفقودة، فاقدة لكل اللحظات السعيدة ومفقودة من جدول إحصاء الأحياء، نظرت للباب، ظنت أنه سيدق ويدخل منه ولد لها أو ابنة، لكن هيهات لا أحد يطرق مقابر الموتى.
غطت في سبات عميق وعلى خديها الدموع تنساب، وفي الصباح الباكر انتظرها الجميع أن تصحو كعادتها لكنها لم تصحُ، كأن لم يكن هناك حياة، دخلت عليها مشرفة الدار عندما تغيبت ولاحظت غيابها، هزتها لكنها لم تقم، تفحصت النبض فوجدته ضعيفًا للغاية، نادت الطبيبة التي أكدت أنها في حالة من اللا وعي _ غيبوبة مفاجئة_.
صرفت لها الطبيبة دواء ومحاليل، وبقيت المشرفة جوارها يومين متتاليين، استعادت خلالهما صحتها تدريجيًا وبدأت تستفيق، ما إن استفاقت هتفت باسم أولادها، رق قلب المشرفة لحالها، ونادت أبناءها الذين لم يلبوا الطلب، لكنها كانت كمن يشعر أنهم لن يأتوا إليها فكتبت هي لهم بمعاونة المشرفة التي كتبت كل ما أملته عليها كلمة كلمة وحرف حرف.
"إليكم أبنائي... لطالما قلت أبنائي رغم نفوركم مني، لطالما أحببتكم وفضلتكم على نفسي، وها هي نتيجة أفعالي لقد استحققت ذلك حقـا، لأنني وأنا أعلمكم الآداب العامة نسيت أن أعلمكم بر الوالدين، لطالما زرعت فيكم بذرة الأنانية دون أن أشعر، لم أعتقد يومًا أنني بتفضيلكم على نفسي ستأخذون ذلك حقًا مشروعًا لكم، وها أنا اليوم في دار المسنين وحدي، ترافقني غريبة تشفق عليّ وتعطف عليّ بينما أبنائي ينبذونني، أحببت أن أكتب إليكم وأقول أن الحياة قصيرة... قصيرة للغاية، هذا الجاه الذي تتنعمون به اليوم غدًا سيغدو سرابًا ويكون مآلكم لما آلت إليه نفسي، فقط تذكروا أن تعلموا أبناءكم بر الوالدين ربما يكون نصيبكم من البر أكبر من نصيبي فيأتون إليكم يومًا في الأسبوع، بالمناسبة لقد انتظرتكم طوال الأسبوع كل يوم أقول ستأتون هذا اليوم لكن لا أحد يأتي".
تسلم ابنها الجواب وسالت دموعه على خديه وهو يقرأ، ورحلت العجوز لتبقى اللحظات الأخيرة في حياتها مجرد تأملات بين الباب والنافذة وجدران دار المسنين.
زينب محمد علي
مصر

المنصوري قصة قصيرة مجدي شعيشع الكويت فى : 2022/06/04


 المنصوري

قصة قصيرة
2022/06/03
—————————
ميت حديد قرية هادئة، لم تكن مؤهلة حتى اليوم لمنع غدر اللصوص، اللصوص جراد يأتون على الأخضر واليابس، لص الدراكسة كان عصابة وحده، يستحيل محاصرته، تدفعه قوة مفرطة، سمعته مرتقة بشظايا أفعاله، غَضَبه كُفر، وابتسامته تَوَعُد، يتجول فى الشوارع دون حساب، يركب بغلاً -يعلو الحمار قليلاً- وبينهما تشابه كبير، يمطر الرعب أينما حل، ويقاسم الفلاح زرعه ومواشيه إن وُجِد، ومن يبدي اعتراضاً أو حتى عدم الرضا، فلن تسلم ثمرات كده وجهده، ولن ينال مما يمتلك شيئاً، حتى حياته تصبح مهددة بالهلاك إن وقف حائلاً دون أحلام الشيطان، الفلاح يزرع ويحصد، والمحظوظ من يستطيع إطعام أبنائه قبل أن يستولى عليها لص الدراكسة، الحِداد لاينقطع فى داره، فلم يعش له طفل، سخطت زوجته على الحياة معه، وكلما مات لها طفل، جددت العهد، وحَرَّمَت على نفسها طعام السُحت الذي يجلبه لها بالعار، وفَضّلت عليه صدقات الجيران، تنتظر يوم الخلاص منه، فالسوط وسيلة خضوعها لبعض الوقت، فلم تنسى يوماً ابتزازه لوالدها حتى تزوجها، ليلة زفافها على ابن عمها، بعد زواجها بأيام مات والدها حزناً على قدرها، وكل يوم لا يتوقف عن نهش الأمن من القلوب نهش الفئران لحقل ذُره، فالحقول لا أبواب ولا أسوار لها.
سقطت الشمس فى جوف الغروب، تلملم ثوبها الباستيلي الشاحب، يتدلى معها آخر خيوط النهار، قبل أن يدركها الظلام الجاثم على صدر الغروب، خلف نخيل "أرض الكَوَاينة"، على الحدود بين أراضي ميت حديد وميت الخولي، المكان الخصب الذي ترتع فيه الحكايات.
يتبختر لص الدراكسة خلف سور حديقة جدي محمود المنصوري، يتفحصه قبل أن تتوه معالمه فى جوف العتمة، فالأسوار أبواب اللصوص.
فيلا جدي محمود المنصوري، لم تطلها يد لص الدراكسة قبل اليوم، فلبيوت الكرماء مهابة، يستحيل اختراقها.
جدي محمود المنصوري، تشع الطيبة والكرم من روحه، فتطيب الحياة من حوله، فى الصبح موظف بوزارة الري، وبعد العصر نلتف حوله، مرات يحفظنا كتاب الله، ومرات يحكي لنا قصص البطولات، ومرات يرسم بعود حطب حلبة مصارعة على الأرض، ويقوم بتوجيهنا داخلها حتى لا يصاب منا أحد، لا يخلو جيبه من قطع الحلوى، يطعمنا بها، ليستحث بها الأمل الراكد في النفوس فنواصل حفظ القرآن، أو ننشط لسماع الحكايات، ويكافئ بها المنتصر، حتى من يهزم يجبره ببعضها، تولد النخوة فى بساتين الكرام.
استيقظ جدي المنصوري، كما اعتاد لصلاة الفجر، نزل فى حديقته خلف الفيلا، حديقة لا ينبح الكلاب على أسوارها، تتناسل بين أشجارها القطط، وهي وطن يهجر اليه المحتاجين وأسراب الطيور، لا يستعين بمصباح، فهو يعلم أين الثمار التي طابت على أغصانها، المغسولة بالندى، يستطيع تمييز أدق الأشياء فى الظلام. قوته فولاذية، تختبيء خلف طيبته، ولديه ذاكرة فى الأنساب لا يجهلها أحد، البوابة بدون مِزلاج، لا توصد أبداً، ككل بيوت الكرماء، تحرسها أشجار المانجو العتيقة، والنخيل السامق، الذي يطعم القرية دون حساب، رأى شبحاً ملثماً يتسلل للداخل، بجرأة مريبة، عرفه رغم الظلام المعجون بالضباب.
دَلَف خلفه بحذر، يقتلع قلبه على أولاده، عادل ومحمد وصلاح ونبيل، فهم زرعه الذي يعيش من أجله، وقبل أن يتوغل اللص إلى غرفتهم.
انقض عليه من الخلف -فى لمح البصر- انقضاض الصقر على ضبع شارد، اعتصره بين يديده، اعتصار حبة قمح بين شقي الرحى، يمطره بلكمات فى انحاء وجهه، يقابلها اللص بآلة حادة، يستخدمها فى السطو إن لزم الأمر، لكمات الشرف صارعت طعنات الغدر، استبسل فأسقط السلاح يده، غرِقا فى بركة من الدماء، استغاثاته العاقرة لم تلد مُخَلِصاً يبقيه على الحياة، ويظل رهين الحسرات، على حافة الاحتضار، تشهق روحه فتكتم استغاثاته، يستمطر اللكمات مدوية تغلقت كل المنافذ فى وجهه، صفعات كالمجاديف على صدغ القارب،
تسقط كالسيل، تهلك فى طريقها كل السدود، ليستقر على وجهه، تُهَشِمُه.
تكَوَّمَ الأطفال فى ركن بعيد غير آمن، تحتضنهم أمهم، الاستغاثات عالية، مخيفه، مزقت ستائر الليل المختبئة خلف النوافذ، اتجهت مخالب أسود القرية تجاه الاستغاثة، وجاء دور أجدادنا، عبده أبو إسماعيل، حسن الخولي، صابر أبو مصطفى، …….
الشيخ قاسم يؤذن للفجر سريعاً، وتبعه عدة مرات "الصلاة فى حديقة المنصوري".
امتلأت الفيلا والحديقة بالرجال يتبعهم الخفر، خلصوه من يديه، تخليص الثوب من سِلك شائك، وما أن تبينوا أنه لص الدراكسة، حتى انهال عليه كل من طاله غدره، سحلوه فى شوارع القرية.
الصُبحُ يتنفس وأنفاس لص الدراكسة تتقطع، حملوه على "عربة كارو" يجرها البغل الذي كان يَركبه، يزفه الأطفال يطوفون به شوارع القرية وسط فرحة تعانقها التهاني وتباركها الزغاريد، يستبدلون الحسرة التي فجعت قلوبهم بالأمس بفرحة هلاكه.
وخرجنا من القرية طفنا بجثمانه المُضرج بالدماء كالعجل المذبوح شوارع المركز، حتى قريته الدراكسة، التي سقاها ألواناً من العذاب، وقفت سيدة فى منتصف الشارع، جسدها هزيل تستجمع ما تبقى من قوتها، تبدو عليها مرارة العيش رغم جمالها الباهت، عرفنا فيما بعد أنها زوجة لص الدراكسة، انحنت على يد جدي المنصوري تقبلها.
وهتفت بصوت مكلوم، "ينصر دينك يا منصوري"، ولم تنتهِ، حتى رددنا جميعاً "ينصر دينك يامنصوري"
———————-
مجدي شعيشع
الكويت فى : 2022/06/04

ما زال صغيرا محمد سليمان سلامة الخوالدة الأردن


 ما زال صغيرا

محمد سليمان سلامة الخوالدة
الأردن
مابك يا (رفيف) فيما تفكر، لم تكمل كتابةالمقال،أتعبت يدك مجددًا؟ أعدت مجددًا إلى الماضي، هون عليك ياصديقي
طرق رفيف قليلا نعم لقد عدت إلى سن الطفولة مجددًا ياصديقي انه هاجس لايتركني، أني أحس به في كل لحظة تمر في حياتي، تذكرت نفسي وانا ابن العاشرة وكلمات أمي تدوي في أذني إلى اليوم مازال صغيرا.
وصوتها المخنوق بحنان الأم المكسورة ومرارة الفقر، أطرق رفيف قليلا كنت في بداية سن العاشرة وكنت ألهو بدمية خشبية صنعها لي والدي في بيتنا القديم، أني لاحس ببرودة جدرانه في عظامي ورائحة الفقر تفوح منه وكأنها اليوم .
أبي عامل في إحدى المصانع يعمل ليل نهار وبكل جد وكنا خمسة أخوة ووالدتي رحمها الله كانت أيضا تعمل في تنظيف المنازل ، وكنا في فصل الشتاء وكان من أصعب الفصول التي مرت علينا لبرودته الشديدة ،وكان من الصعب الحصول على أبسط المقومات الحياتية لتراكم الديون والايجار علينا ومرض أختي الصغيرة وحاجتها إلى الدواء المستمر، وفي أحدى الليالي سمعت أبي يقول لأمي انها فرصة أن يعمل رفيف في جر العربة في المصنع مكان أحد العمال لقد غادر وسياخذ مكانه، عندها قالت أمي بتوسل والمدرسة؟ قال أبي يتركها فلا حاجة له بها، كررت امي الإجابة مازال صغير على ذلك ، مازال صغيرا ،إلا أن أبي كان حازما في قرارة،سيجر العربة قبل أن يأتوا بعامل أخر، عندها رميت الدمية من يدي ، وتشوشت الأفكار في ذهني أترك المدرسة وأذهب للعمل مع والدي من طلوع الفجر، هل أصبحت كبيرا لهذا الحد وأنا لاأعرف ياألهي
لم أستطع النوم في تلك الليلة
في اليوم التالي أخذني أبي معه للعمل في المصنع وقال لي: من اليوم انت العامل رفيف ولست ذلك الصبي الذي يحمل الدمية ويذهب للمدرسة ،أنت العامل رفيف.
لاأعرف ماذا أقول ودخلنا المصنع وبدأت بجر العربة الممتلئة بالحمولة، إنها ثقيلة جدا وكنت ألاحظ أبي ينظر ألي من بعيد في كل فترة كأنه يشجعني على هذا العمل الشاق ، وبقيت أجر تلك العربة طوال اليوم وكنت أجد صعوبة بالغة في جرها، وأخير انه وقت الغروب وأنتهى هذا اليوم.
لم أتناول عشائي ذهبت في نوم عميق،أتذكر أمي وهي عند رأسي تداعب خصلات شعري وتبكي.
إنه اليوم الثاني ذهبت مع أبي في الصباح الباكر عند الساعة السادسة تتثاقل خطاي كلما اقتربت مسافة ٢ كم ، كان عملي هو جر عربة مليئة بمواد مصنعة من الحديد، اخذت أجر العربة من مكان إلى اخر وفي كل مره أجر بها أشعر بغصة بشعور الهروب من هذا المصنع الكريه
لكن الى أين.
وبعد شهر كان أبي فرحا بحصولي على أول مرتب لي كان فرحا جدًا وكنت أنا وأمي نتبادل نظرات الحزن، كان أبي يمسك يدي عندنا يجدني أتألم من أثار جر العربة ويقول ودع يدا الطفولة وتصبح لك يدا رجل.
وجاء يوم غريب كنت وقتها أجر العربة في أحد الممرات المرتفعة وكانت الحمولة ثقيلة هذه المره ،وعند منتصف الطريق لم أستطع تحمل دفعها فرجعت إلى الوراء وسقطت وسقطت تلك العربة اللعينة علي وتألمت من يدي اليمنى وحصل مالم يكن في الحسبان ،تقطعت أوتار يدي هكذا قال الطبيب
ولم استطع من ذلك اليوم تحريك يدي، لقد شل عضو من جسدي مبكرا، فقدت الاحساس بيدي .
يالها من حادثة لازمتني طوال حياتي ، اوه انه الفقر الذي يدفع بنا دائما إلى الهاوية.
أتذكر كيف شعرت أول مره عندما خرجت من المشفى وأنا لا استطيع تحريك يدي ،وكيف أني كنت ألهو واستخدم يد واحده كم كان ومازال شعورا متعبا للغاية، كلما كتبت على هذه الآلة تذكرت تلك المأساه، تذكرت كم في العالم اليوم من يقومون بعمالة الأطفال، وكم يوجد ضحايا في العالم وجلهم من الأطفال ، إلى متى ستستمر هذه المأساة.
محمد سليمان سلامة الخوالدة
بلعما / المفرق
تلفون ٠٧٧٩٨٦٨٦٨٢

الفستان الأبيض بقلم / مصطفى ضو - الوادي / الجزائر


 الفستان الأبيض

وفقت أمامه وأصبحا وجهـْا لوجه، وهي مخضبة بكل أنواع العطور وأفخرها،غيرت رائحة الفضاء الموجودة فيه، وأنتشر عبقه في جميع الأرجاء .
حدقت فيه جيدْا وشريط الذكريات مارًا أمامها بسرعة إلا من بعض المحطات المؤلمة ،تأخذ منها لحظات وتزفر معها،ثم رجعت لحالها الأول، وهي تشعر بالغبطة والسرور لأن حُلمها قد تحقق ـ رغم السنوات التي عاشتها ـ وبشائر هذا الحلم المعاش في واقعها كأنها ولدت من جديد ، فراحت غارقة فيه ـ بابتسامة البراءة ـ كطائر يحلق في الفضاء ، أو ملكة متوجة بعرشها كالملاك ، والموسومة بالدلال والتبجيل.
أرادت أن تخاطبه لتعبر عن عمق سرورها ؟ لأن انتظارها طال ، حتى بدأ اليأس يدب نحوها .
عادت إلى فرحتها وهي منتصبة أمامه ، إنها المرآة التي تشاهد من خلالها وهي تلبس فستان زفافها.
بقلم / مصطفى ضو - الوادي / الجزائر

فيقة القبر بقلم / شوكت غرزالدين


 فيقة القبر

بقلم / شوكت غرزالدين

اليوم صباحاً دفنوني في مقبرة المدينة. سقطت البارحة عن الدرج الخلفي لمنزلي. ومن توها اتصلت زوجتي بالطبيب مولولة. ولكنه لم يسمع نبضي. فأعلن وفاتي مترحماً عليّ وواسى زوجتي.
حسبتْ زوجتي أنّ الطبيب أسرع من الإسعاف. واقتنعت مع الجيران بأنّه لا ضرورة لوضعي في براد المشرحة لبرودة الطقس.
ونعوا الأقارب والمعارف من الرجال فحسب لتأبيني في من العاشرة حتى الحادية عشر. وفرضَتْ مقتضيات حجر الكورونا طقوساً جديدة للموت. كغياب النساء عن العزاء ليبكوني. فأدى المشايخ الصلاة على روحي فوراً وسرعان ما دفنوني.
ساعات وفقت في الحجرة، لأجد نفسي، في تابوت من خشب الأم دي أف، ملفوفاً بكفن أبيض وقدميّ مربوطتان إلى بعضهما بخرق من الكفن نفسه. كان تدكيكي بالقطن في الفتحات الثلاث رخواً... انتزعته بسهولة كسهولة تمزيق الكفن وخلع التابوت. لم أستوعب للوهلة الأولى أين أنا ولا ماذا حدث حتى أدركت نفسي بين التوابيت في المدفن، ورحت أصيح وأضرب بيدي على باب المدفن الحديدي. الرائحة ما زالت تلاحقني حتى الآن، ولولا بعض الفتحات والثقوب التي سمحت بمرور الضوء ما كنت ميزت شيئاً. ضربت الباب ضربات متلاحقة تشبه ضربات القدر غير أنّه لا مجيب، لا أحد ليفتح الباب. فكري يأخذني ويجيبني حتى انهرت لدقائق. وبعد سماعي لبعض الخربشات التي لم أميزها استجمعت قواي من جديد وعدت لأطرق الباب طرقاً مدوياً. سمعت من بعيد أصوات أبواق وإطلاق نار وقدّرت أن موكباً لعرس يمر في الطريق جانب المقبرة.
أرحت نفسي من الطرق ونظرت من خلال ثقب كخرم المسلة فأصبت بالذهول والهلع معاً للمحي عروساً بثوبها الأبيض، يحيط بها كالصحن المقلوب، وهي تقضي حاجتها في أحد زوايا المقبرة.
أهي إنس أم جن؟ الأرجح أنّها جن سيسحرني؛ فلا أحد من الإنس يقضي حاجته في المقبرة!
قلت في نفسي: "الحمد لله أنني أوقفت الخبط على الباب قبل ما يسمعها هذا الجن". وبدأت حيرتي تفترسني ماذا لو لم تكن هذه العروس جن، أأبقى هنا مستسلماً؟ بيد أنّه ماذا لو كانت جن، أأدله على نفسي بطرقي الباب؟
عدت أرقبها من الخرم وأتعوذ بالله وشعرت أنّ إيماني الذي بددته بالعلم قد رجع لي. ولكني بعد أنْ ربطت بين أصوات أبواق السيارات والباصات وإطلاق النار ووجود عروس في المقبرة تقضي حاجتها بدا لي الأمر معقولاً. لِمَ لا؟
صحت يا إلهي! وطرقت الباب بقوة واتجهت إلى الخرم لأرى ردة فعلها. ورأيتها تركض باتجاه مدفني وزادت دقات قلبي وصرت أتعرق وضاق نفسي. وما هي إلّا لحظات وكان موكب العرس بكامله يحاول خلع باب المدفن. أدركت لحظتها جدوى دفن الميت بلباسه.
وهكذا تم سحبي من المدفن حي أرزق، وسط أصوات لغط واستهجان وصفير واستنجاد بالله، أسمعها من كافة الاتجاهات. أخبرتْهم العروس كيف سمعت دق الباب عالياً ولم تستطع تفسيره يأتيها من المدفن. واستنجدت بعريسها الذي كان يحرسها على بوابة المقبرة. وركضت ليلحقها عريسها وباقي الفاردة التي كانت تجلب هذه العروس من قرية مجاورة إلى صالة للأفراح في مدينتنا الريفية.
أمّا العريس، وهو في ذهول وحرج من فعلة عروسه، فراح يبرر كيف أوقف السيارة لتقضي عروسه حاجتها، بأنها مصادفة جيدة لأنها استطاعت سماع خبطي من موضعها ذاك.
قمت ببعض الحركات السويدية حتى أحلحل جسمي المكسر. حدقت في الجمهور لم أعرف أحداً ولم أجد زوجتي بينهم. لا بدّ أنّها في فترة الحداد وتقبل التعازي.
التشويش يزّن في رأسي والطنين في أذنيّ والغباش يطبق على بصري وبصيرتي. أمسكت العريس من ياقة جاكيته الرسمي ورحت أهزه بقوة زادته استغراباً فوق استغرابه وخجله، وقلت له:
"مبروك. وإذا وعدتك بأنكما ستظلان معاً حتى يفرقكما الموت، فلا تصدق وعدها أبدأً".

هواجس العقلاء دين العربي / الجزائر


 هواجس العقلاء

.
كل الشوارع تؤدي إلى الموت ... ليست روما وحدها من تحتل مركز اللقاء ، فالموت واحد من المفاهيم التي أهملتها بعض الأمثال الثاقبة ... هكذا كان يفكر "زهير" ، وهكذا يدخل باستمرار في حميمية منقطعة مع ذاته كلما خلف الواقع وراء ظهره وهو يداعب الأرض بخطواته المتثاقلة ... يقولون أن هواية هذا الفيروس اللعين اصطياد المدخنين ... هم الهدية التي يقدمها قربانا للبقاء كي يحصل على صكوك الغفران ، وأنا أدخن بشراهة ... فما الذي يمنع أن أكون أحد القرابين لهذا الفيروس ؟
يقترب من المخبزة وقد زلزلت خلده تفاصيل هذا الموضوع المزعج ، صار كلما اقترب منها شيئا فشيئا زجر هذه الأفكار اللعينة التي ترفض لانصياع إلى سكون مرغوب ... وأخيرا قرر أن الموت هو التفصيل الوحيد للحقيقة التي لن تضمحل ، ولا داعي للخوض فيها لأنها تشبه إلى حد كبير معادلة رياضية بسيطة الحل .
أخذ "زهير" خبزتين ... دفع المقابل ، ثم هم بالانصراف ... لم يأبه عند دخوله إلى المخبزة بتلك السيدة المكلومة التي تستعطف المارين كي يضعوا لها قدر قلامة من وقود الحياة في كفها ... تبكي بحرقة ثكلى – تلك المسكينة - ... لم تتوقع يوما أن الزمن سيفجعها في ساقيها اللذين يمدانها بالحركة والحياة ... توفي زوجها من ثلاث سنوات في حادث مروع ، وابنها الوحيد وقع في كمين جماعة مسلحة منذ عام ، هذه المسكينة التي تقبع طول النهار أمام المخبزة تبسط يدها للمحسنين كي تقتات من بقاياهم .
لم يكن لـــ "زهير" أن يعرف هذه التفاصيل لولا اقترابه منها إلى حد جعله يستنشق رائحة غبنها النتنة ، ثم راح يخلي سبيل تلك الزفرات كي تخرج بعد زحام شديد داخل خواطره للحظات .... وضع في كفها قطعة من مائة دينار ثم شد على رسغها مواسيا ، وهمَّ بالانصراف ... عندها باغته صوت سيارة الحماية المدنية التي تسير بسرعة جنونية متخذة خطا منعطفا نحوه ... توقف "زهير" من دون حراك وقد نالت المفاجأة منه حظا وافرا ... نزل من السيارة رجلان ( بلاستيكيان ) يشبهان إلى حد كبير بعض ملامح الموت ليصرخ أحدهما قائلا : « ... ابتعدوا بسرعة عن هذه المرأة فإنها تحمل الفيروس ... ابتعدوا !!!! ... نحن منذ أمس في بحث دؤوب عنها » ...
..... وقف "زهير" وقد تجمدت ركبتاه وهو يتمتم قائلا : « ... ٱه أيها الموت اللعين ... كنت على يقين أنك ستباغتني هذه الأيام » ............
.
دين العربي
الجزائر

بلا عنوان علاءالدين كعوان - الجزائر


 بلا عنوان

أخطأ في حق من أحبته وضحت من أجله فوضعها في طي الإهمال وراح يزاول البحث عن متنفس آخر.. كان يشرد أمامها ويتعمد عدم الإنصات لما تفضيه من مشاعر دفء واهتمام..
ارادها أن تنصرف بمحض إرادتها عله يسعى إلى إقناع نفسه بأنه إن تركها تمل وتبتعد يكون قد تفادى جريمة إخراجها من حياته لكنه نسي أن الاهمال قتل متكرر وأن قطف وردة وتركها تذبل على مهل يسلبها الحياة ولن يعيد لها نضارتها غرس آخر..
كان يتقن فن وأد الورد وفي كل مرة يسلم بفعلته..
وكانت تريد إقناع نفسها بأن مشاغل الحياة هي التي تشغله عنها وأنها كلما صبرت وسعت إلى ملء حياته بدفئها أخرجته من قوقعته وكانت هي قوقعته ولا تدري..
تلك القوقعة التي يتحامل على بقائه بقربها وتجاهد نفسها هي لأخراجه من نفسها
هذه الغرابة موجودة في كل قطف لم يحن أوانه في كل غرس أتى أكله قبل حينه فلا تتعجلوا القطاف لكي لا تجنوا المرارة وخيبةً لن يشفيها الدهر فكيف تشفى الجراح الغائرة الضاربة في عمق الفؤاد..
الجزائر

ليلة بيضاء بقلم : عبدالكريم جماعي/ تونس ليلة بيضاء


 قصة قصيرة

بقلم : عبدالكريم جماعي/ تونس
ليلة بيضاء 
(لم يكن في الامر سوء نية..او حيلة شيطانية.. فما وقع في تلك الليلة..كان مفاجئا..أتت به فكرة جهنمية بريئة..وليدة اللحظة الصبيانية..بلا سابق اضمار..أو نيّة مبيّتة..لكنها كانت حركة من حركات الطيش..عفوية مثل حياتنا في تلك السن.. لم تخطر على بال أحد..وبلا ادنى تفكير في عواقبها التي ربما تكون وخيمة..مثل أغلب افعالنا في تلك الطفولة البعيدة..حين كنا نحن الاطفال نتنافس في افتعال المقالب بروح ناصعة بريئة..لم تدنسها بعد دسائس الكبار و شرورهم..!
كنا نقضي أغلب اوقات السمر الصيفية -ونحن فتية- في ريفنا البسيط..بالقرب من ذلك الدكان الوحيد الذي يغلق أبوابه عند المغيب..فنلتقي كل ليلة للسهر على ضوء القمر..نتجاذب أطراف الحديث حينا او نطبخ الشاي و نلعب الورق احيانا اخرى..وكثيرا ما تحصل المشاحنات بيننا..لكنها لم تصل أبدا الى الخصام او الجفاء..بل كانت تنتهي بالصلح السريع..وحتى من يغادر منا مغتاظا او حزينا..يعود في الليلة القادمة في نفس الميعاد..او نبعث من يأتي به من بيته..مرغما أو راضيا..!
وفي احدى الليالي..تخلف ثلاثة شبان..عن الحضور في الموعد المحدد بعد صلاة العشاء..كلفوني بالذهاب الى منازلهم حتى يلتحقوا بمجلسنا كالمعتاد..و في الطريق حدث ما حدث..!
و الى حد هذه اللحظة.. حتى بعد مرور سنوات طوال على تلك الحادثة..مازالت تصيبني قشعريرة..يسيل معها العرق البارد..كلما تذكرتها..أو جالت بخاطري..!
كنت وقتها في مستهل مرحلة الشباب الغر..أبلغ من العمر حوالي ستة عشر..مندفعا..في كل شيء..راغبا في سبر أغوار الحياة..بكل ما تحتويه من اخطار و تقلبات..!
تركت شلة الانس تنتظر الغائبين عن مجلس السهرة..سرت باتجاه منازلهم..كان القمر بدرا..ونسائم الصيف تلطف الأجواء..اخترت طريقا مختصرا لربح الوقت..السكون يلف المكان لا يسمع فيه سوى نباح كلاب متقطع..حثثت الخطى في مسار ملتوٍ..يمر قرب المقبرة..لمحت من بعيد خيال ثلاثة أشخاص يسيرون الهوينى..قادمين نحوي..وقفت في مكاني بمحاذاة القبور لأتأكد منهم..صار صوتهم واضحا عندما اقتربوا..عرفت أنهم هم الذين كنت ذاهبا لأستحثهم على القدوم..وفجأة لمعت في ذهني حيلة طريفة..لاخافتهم..نظرت حولي بسرعة..وشرعت في تنفيذ ما خططت له..كنت أرتدي قميصا طويلا ابيض( هركة) كالذي يتم جلبه من بلاد الحج..رأيت انه مناسب جدا فهو تقريبا يشبه الكفن..لم اتردد..فكل شيء جاهز..ثوب ابيض و قبور و قمر بازغ..وفي هذا الليل...ستكون مفاجأة مضحكة ومدوّية..اخترت لحدا مطليا بالدهن الابيض قريبا من مكان عبورهم للمكان..استلقيت على ظهري بكل ثقة..فوق القبر..بقيت في وضع ثابت بلا حراك..كنت اقاوم الضحكات التي في داخلي..وانتظر القادمين..حتى وصلوا..كانوا منهمكين في حديثهم..لم يروني..عندما شعرت انّ خطواتهم اصبحت بقربي..نهضت واقفا..لم أنبس بأي كلمة..لم أصدر اي صوت..فقط..قمت بالوقوف بسرعة..وانا اغالب القهقهة..التي تكاد تنفجر..في كل لحظة..و من هول المفاجأة..اطلقوا سيقانهم للريح..هرب كل منهم في الاتجاه الذي رآه مناسبا..للنجاة من شبح الميت الذي خرج لهم من القبور..!!)

مشاركات الأعضاء

قدر العرب للشاعر متولي بصل

    قدْرَ العربْ متولي بصل مصر *** غدا يعرفُ الناسُ قدْرَ العربْ وأنَّ العروبةَ  مثل الذهبْ وأنَّ البلاءَ على قدْرِها عظيمٌ وكمْ منْ بلاءٍ ح...

المشاركات الشائعة