Translate

الأربعاء، 8 يونيو 2022

ورطة حذاء. قصة قصيرة بقلم / عبد الله البقالي من المغرب


 ورطة حذاء.

قصة قصيرة بقلم عبد الله البقالي. من المغرب
قطعت سبعة كيلومترات مشيا على الأقدام .ركبت بعدها سيارة في اتجاه قرية صغيرة ، ثم ركبت من جديد في اتجاه قرية كبيرة حيث اتجهت إلى المدينة لصرف شيك من البنك. البنك كان حديث البناء. ونظافته المفرطة نبهتني إلى أنه يجب أن أخجل من نفسي أن أنا دخلت إليه بذلك الحذاء القذر. استدرت إلى الشارع أجول ببصري باحثا عن ماسح للأحذية . لم أنتظر طويلا. كان يقطع الشارع . ويبدو أنه كان قد سمع توسلات حذائي. لكني ترددت من أن اسمح له بذلك. كان صغيرا جدا لم يتجاوز السابعة . لكن و هو يسير اتجاهي كان يعزف على صندوقه بالشيتة ( الممسحة عزفا بايقاع متقن الشئ الذي أكد لي أنه متمرس. مددت الخف اليمنى. انطلق في العمل بكل نشاط. وفي لحظات قليلة كان الحذاء قد صار لامعا براقا. ضرب بالشيتة على صندوقه آمرا بذلك بوجوب تغيير الخف . وضعت الخف اليسرى على برج الصندوق لكن يده لم تصل إليه أبدا . كانت يد شرطي هي الأخف . امسكه من خناقه ثم حجز الصندوق و ما فيه . بقيت مذهولا. أنظر الى خف حذاء اليمنى وهي في منتهى الأناقة والخف الثانية كانت غارقة في قذارتها . جريت إلى الشرطي وقلت محتجا . لنفرض أن هذا الطفل قد ارتكب حماقة أوجبت اعتقاله . لكن ماذا فعلت أنا حتى أكون ضحية هذه المسخرة؟ رمقني الشرطي بنظرة مرعبة.وقال وهو ينظر إلي بحنق : في الحقيقة كان يجب أن أعتقلك أنت بدل هذا الصبي ، لأن أمثالك هم المسؤولين عن تكاثر هؤلاء. و إذا تماديت في احتجاجك فأنا لن أتردد في تنفيذ هذه الفكرة. بقيت واقفا محتارا أنقل بصري من سيارة الشرطة إلى الحذاء ومن الحذاء إلى سيارة الشرطة . ولم أنتبه إلا على ضحكات العابرين الذين كانوا يمرون بي.

المحاكمة... قصة قصيرة بقلم / محمد سعد شعبان مصر الاسكندرية

                                                     
 المحاكمة... 

قصة قصيرة

عندما علم والدى اننى ادخن! حزن كثيراً وغضب كثيراً. وتوقعت لحظة الصدام فى اى لحظة.
جلست خائفأ فى حجرتى اتهم اخى بالفتنه، وهو يدافع عن نفسه.
فمن اذن؟ وانا اشتريها وادخنها فى مكان بعيد. وعد الرجوع الى المنزل اتخلص من اثارها بوسائل شتى!
واستدعانى ابى الى حجرته، وبدأت محاكمتى.
متى واين ولماذا بدات التدخين؟ فلم اجيب.
فبدأ صوته يعلو، الم احذرك من التدخين ومن الامراض التى يسببها؟ ثم اخرج علبة
سجائره فتناول واحدة، واشعلها. فوجد عيناى قد تسمرت عليها! فلما لاحظ ذلك
اطفأها، واخرج العلبه من جيبه، ورماها ارضأ، وداس عليها، وقال بعد ان وضع يده على كتفى، ما رأيك لو اقلعنا عنها سويأ؟ فبكيت على صدره.
(تمت)
بقلم / محمد سعد شعبان
مصر الاسكندرية

دعاء … قصة قصيرة بقلمي/ لقاء زنكنة

 


دعاء … قصة قصيرة

شارفت الشمس الظهور عن برزغها ، تعلن ميلاد نهارٍ جديد ، سكونٌ وهدوء يخيم الشارع الصاخب بالمارة والسيارات بأدخنتها الحارقة للوقود ومشاكات الصغار لبعضهم البعض قاصدي المدرسة ، مازالت الهررة والكلاب السائبة تغص في نومٍ عميق ، ومحل أبو سعد مقفل عن بكرةِ أبيه ، كل شيء في سباتٍ وقتي ، الا …. أنا …
أنا دعاء ، فتاة بالعشرين تتخبط بين نظرياتٍ علمانية وثوابت دينية ، منذ زمن ٍ ليس بطويل ، تعرضتُ لعدد من الصدمات ما يكفي لتبليد حمار وتخديره مدى الحياة ، لكني وكما يبدو بعقليةٍ أقوى من عقل حمار !!!
فقد أجبرتُ على ترك الدراسة وأنا في المرحلة الثانوية الاخيرة ، يعني كان الحلم قاب قوسين او ادنى ، فشاء أبي وقتل الحلم برصاصةٍ فاردتهُ صريعاً يعاني الويلات ، أيُ ضربةٍ تقتلُ صاحبها اقوى من هذه !؟؟
مع الاسف .. تعافيت ُ منها وباستماتةٍ من أمي عدتُ للدراسة لكن ،، فقدتُ أبي أثرها ، وغدت أمي هي أبي ، واتممتُ شغفي بالالتحاق باحد الجامعات لاختص بما يواكب وقدراتي ، وهناك التقيتُ بحب حياتي ، ذاك الفارس بحصانه الابيض وقامته الشامخة والشخصية الفكاهية ، يحبهُ الجميع لكنه لا يحب غيري ، يطلُ علينا وصديقاتي بقوة ٍ صاروخية يستميلُ اليه القلوب جمعاء ، حتى الذكور يعتبره قدوة والمستشار الغرامي لجميع انواع الحب ، وقضايا الخجل الانثوي في البدء بعلاقة طيارية مع أي بليدٍ يرغبن به ، أنهُ داينمو الجامعة ودونهُ تتوقف الحركة الانسانية عن العمل ، كنتُ أتسأل : - مثلهُ ماذا جذبه نحوي ؟ ولكن بسرعة اتحاشى السؤال واواصل الحلم الذهبي ، استمدُ غروري من طاقتهِ ، حين يغيب لأظهر نجمة الجامعة وأنوبُ قمرهُ. ، سنتان وأنا غائبةٌ عن الوعي اعيشُ فراشة تحلقُ من غصنٍ لاخر ، حتى دقت ساعة الصدمة ، زفوا بالجامعة خبر خطبته لفتاة اسمها ( ت …) المتختخة ومنكوشة الرأس وهي ترتدي ثياب الجامعة التي ستنتحر الازرار عن قميصها والتنورة المغطية لجسدٍ متعرج التضاريس تحملها قدمان ضخمتان تحتوي زورقاً بالياً ذاب كعبهُ من الصبر على حملها يدعى حذاء ، بالختصار كانت اضحوكةً البنات والشباب ، كيف لمثله يسعد بهذا الارتباط !! حقاً اعادني السؤال لتساؤلي القديم عندها فهمت .. وشربت ُ المقلب ، عفواً الصدمة وانا أقاوم ومحصنة بسور منزلنا وتضامن أمي الغريب ، بعدما اكتشفنا أنه استاذنا بالجامعة ويتنكر بزي الطلاب ، يتقرب من الطالبات ذوات العقد المكلكعة ليفكها ثم يتركها قصاد الريح ، حسناً لنتمهل قليلاً ، إن كانت ( ت ) ملفتة للنظر بشكل مريب ، فما بالي أنا ؟ الانثى من النبع حتى الصب ! حتى استكشفت أمي ذات الحس البوليسي بأني كنتُ طاووس الجامعة فأشبعني غروراً على غروري ثم تركني وانا كلي ثقة بحبه ِ من اجل اخرى لا تساويني بشيء ، حسناً هنا تبددت الصدمة ، وعدتُ لطبيعتي المعهودة … طاووس ..
وفي لحظة رن جرس المنبه وصوت أمي وهي على سجادة الصلاة :- اللهم إهدي ابنتي دعاء وارزقها الذرية الصالحة .. فما كان مني غير إن اغرس راسي في حضنها الطاهر واردد .. آمين ..
تمت
بقلمي
لقاء زنكنة
٢٠٢٢/٦/٨
،
قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏نص‏‏

خواطر رشدي الخميري - جندوبة - تونس


 خواطر

جلس منفردا في مقهى كان قد عرف فيها أصحابا وأحبابا وما عاد الآن يراهم ولا يسمع عنهم. رابض بكرسيّه يتأمّل بقايا سجارته وما تبقّى من قهوته وسرح بذهنه في ماض كان بكلّ تفاصيله جميلا جدّا برغم ما اعتراه من ظلمات وكان سعيدا برغم ما تخلّله من هزّات كان سببها خارجا عن نطاق المجموعة. كان يتألّم من وحدته وبعده عمّن جمعته بهم الحياة وهي الّتي بعد ذلك فرّقتهم. كان يتذكّر يوم تعلّم التّدخين مع أصحابه وكانوا بذلك يتمثّلون المتحرّرين والمثقّفين وأناسا وقفوا على منابر السّياسة والعلم فيجلبون حولهم النّاس بفخامة صوتهم ورجاحة عقولهم أو هكذا تخيّلوا الأمر عندما مسكوا أوّل سجارة. كانوا شبابا يتشاركون سجارة وقهوة وتمتدّ يد أحدهم في كلّ مرّة ليدفع ثمن المشروب أو ثمن السّجارة الّتي دخّنوها ولا تفرّقهم الحسابات الضّيّقة بل عل العكس كانت توحّدهم فكلّ منهم كان يعرف أدقّ التّفاصيل عن الآخر. تقاسموا الألم والفرحة والبسمة وكنت تراهم ملتحمين في السّراء والضّراء ولا يمكن أن تخترقهم الدّخيلة ولا يمكن أن تفرّق جمعهم قوّة مهما تضاخمت. راح يتساءل أو قل يسأل قهوته وسجارته ما الّذي حدث فغيّر المشهد برمّته؟ أين ذهبت صحبة ذلك الزّمان في حين لم يتغيّر المكان؟ هل العيب في النّاس أم في الصّحبة؟ هل العيب في هذا الزّمان أم في ناس هذا الزّمان؟ ثمّ يستدرك ليسحب تساؤلاته كلّها فما عاد يوليها أحد قيمة ولم تعد في حسبانهم أبدا. المصلحة الخاصّة ودون ذلك هراء وصبّ الماء على الرّمال. ثمّ يعود ليسأل طاولته" ألم نلتفّ حولك في أحزاننا وأفراحنا ولا نفترق إلاّ والكلّ قد استعاد ثقته في المستقبل؟ ألم نتدارس أوضاعنا خفية وعلنا واحتفظت بذاكرتنا حتّى لا ننسى شيئا ممّا جمعنا؟ هل أصاب القوم فيروسا فقلب المفاهيم على عقبها ليستبدلوا ما تعاقدوا عليه بما دسّ لهم في أطعمتهم وشرابهم الجديد؟
أم أنّني كنت أحلم وها أنا أستفيق على واقع مرير كنت أتهرّب من العيش فيه لأنّه مؤلم ومحبط؟ " ثمّ يسحب سجارة أخرى ويشعلها فيدخّنها وكأنّه يستعيد وعيه أو كأنّه يريد أن ينتقل إلى موضوع آخر قد توحي به تلك السّجارة. يحرّك رأسه يمنة ويسرة مع ابتسامة مصطنعة يريد من خلالها رفض ما وصل إليه من أنّه كان يحلم. فقد عاش أوضاعا صعبة جدّا ولم يتخطّاها إلاّ بالتفاف أصحابه حوله ومناصرتهم له. وقد عاش الفرحة والسّعادة رغم قصرها لكنّه تشارك فيها مع أصحاب له فباتت أكثر وقعا على قلبه وشعوره. تذكّر أنّه أخطأ فوجد إلى جانبه صادقين فوجّهوه ليصحّح مساراته. تذكّر أنّه أصاب في العديد من المواقع فإذا بمن حوله يآزرونه ويثبّتونه على ذلك. هل كان ذلك محض حلم؟ هل كان ذلك فلما شاهده فأراد أن يعيشه في واقعه فصار يتوقّعه حقيقة؟ ها هو اليوم لا يجد ثمن قهوة ولا ثمن سجارة، من الّذي سيدفع ثمنها بدلا عنه وقد كان في الماضي لا يحتسب لذلك حسابا لأنّه وقتها سيجد من سيسدّد المبلغ عوضا عنه ودون أن يحتاج إلى كثير من السّؤال. غابت عنه الحلول وأقرّ في داخله أنّ حال الدّنيا انقلب إلى الضّدّ. واعترف أخيرا أنّ المثيرات الخارجيّة والواقع المعيش فرض على النّاس التّباعد والجري وراء المصالح الخاصّة دون الالتفات إلى غيرهم ممّن كانت تربطهم علاقات تعاون وتآزر وحبّ الحياة. اعترف أنّ المدراء الجدد وجّهوا النّاس وقد يكون هو منهم إلى نمط عيش جديد قد تصعب فيه إقامة علاقات صادقة كالّتي كانت في الماضي. ثمّ انتهى إلى أنّ تلك العلاقات القديمة تأسّست على حبّ التّقارب والتّعاون وهي أيضا منبثقة من حبّ البلد الّذي كان في حاجة للحمة النّاس فيه حتّى يتقدّم. هذه العلاقات لا بدّ ان تندثر ختّى يعيش المدراء وحدهم في رفاهيّة ويعيش بقيّة النّاس في خدمتهم حتّى أولئك الّذين اعتقدوا أنّهم أحسن من البقيّة فما هم إلاّ خدم عند من جنّدهم ضدّنا وأمرهم بتفريقنا. نعم هي" سياسة فرّ ق تسد" بدأت بتفتيت الوطن إلى حزيمات بشريّة لا يمكنها المقاومة والتّصدّي للظّلم وانتهت بتفريق المواطنين إلى فرادى عاجزين حتّى على الجلوس إلى صحبة صادقة. ومع ذلك يسأل صاحبنا " في من العيب ؟"
رشدي الخميري -  جندوبة - تونس

فاكهتى الطازجة قصة قصيرة الكاتبة تركية لوصيف / الجزائر


 فاكهتى الطازجة

قصة قصيرة
الكاتبة تركية لوصيف /الجزائر
تتوقف عند صندوق الرسائل وتتأمله طويلا ،كانت الأظرفة الكثيرة تظهر لها ثم تتذكر انها أضاعت المفتاح،ومن ذا الذى لا زال يراسلها وهى فى سن متقدمة ،العكاز بيدها المعين الوحيد لها حتى تعد السلالم صعودا وهبوطا..
أول شيء تفعله هو فتح الشرفة لترى العالم بنظرة اوسع ،صخب ومارة ..
كم من المارة الكاذبين الذين مروا بحياتها و سودوها وكانت اللطخة تتسع يوما بعد يوم 
تدق باب جارتها بعكازها وتطلب منها خدمة ..
اكسرى صندوق الرسائل واحضرى لى كل الرسائل..
الجارة ساتصل بعامل الصيانة ..
كانت الدقائق تمر كما مرت ايامها ،تضييع وقت وفرص جميلة لن تجعل منها تلك المتحسرة على ضياع المقتاح ..ستستخدم وسيلة الكسر وتجربها على الصندوق ،،كم تلقت محاولات كسرها التى رسمت ذلك الشرخ..
كل الرسأىل كاذبة ..
الجارة من بين جميع الرسائل من مديريات مختلفة الضرائب،،البريد ،،ورسالة واحدة شخصية
من مرسلها ؟
شخص يدعى رفيق
دققى فى الختم والتاريخ..
منذ ثلاثين سنة ..
يعنى قبل أن آتي لهذه الدنيا سيدتى مريم ..
شعرت بدوار مفاجىء..وجدت عكازى والفتاة رانيا حتى اجلس كملكة تتصدر العرش..
ناولينى نظارتى ،الرسالة من أسرارى القديمة ،رفيق كان من باعة الأرصفة يجر عربته ويبيع الفاكهة ..وكنت كلما مررت يعطينى رطلا..ويرفض تسديد الثمن .
كان يرانى فاكهة طازجة وصحية وهو الخبير بمجاله..كان وسيما ومرحا وبائعا ظريفا وخدوما لكبار السن ولكن كنت اراه ليس طموحى ..الفاكهة تذبل إن لم تجد من يشتريها هكذا كان الماكر يمرر لى رسالة الغرام ..
كنت ارفض الذبول واستقدمت طفلة كنت لها الأم واستنسخت مابى من خصال..ربيتها على الطموح وانتظر عودتها من الغربة ،ستكون جراحة عظيمة.
ولكن ساقرأ رسالة رفيق الآن..بينما تناولنى جارتى كوبا من عصير الليمون والنعناع..
الى فاكهتى الطازجة ،سازرع الحقول أشجارا مثمرة واعمل فى البستنة ،لقد انتزعت من خالى إرث والدتى وسأستثمر فى قطعة الارض وابنى بيتا يجاور الحقول وغيابى عن الرصيف له مايبرره الآن..ردى ردا صادقا يافاكهتى
20/10/1950
يريد ردا صادقا ،بائع الفاكهة الطازجة ،لم لم يحضر خاله ويطلب يدى وقتها !!
،كان ينازع خاله فيماتركته والدته وحصل على الإرث..رسالة واحدة ولم يرسل غيرها ،ياله من جائع كالبهيم..!!
اطلبى ابنتى نبيهة ..
تتمتم ..سأريه مستثمرتى الجميلة ،الجراحة العظيمة التى ربيت وجعلتها نسخة منى ..الكسر والجراحة معادلة تلقى الحل..
نبيهة على الخط..
الو ،أمى ،انا بخير،البارحة حفل تخرجى ..ثم بكت ،،
تواصل وهى تمسح دموعها..
تمنيت لو كنت معى ،لقد حصلت على عقد عمل متربصة فى قسم الجراحة ..سأراك عندما أنهى فترة التربص..
اعتدت على عداد الأيام..،و الشهور ستنقضى وسأضم ابنتى ،،
أمى ،لا تزالين قوية ،أضلعى تتشابك..
أطلقت زغرودة مدوية وألوان الحب تطغى على الكآبة فتزيحها من قلبى ..فاكهتى الطازجة صارت جراحة وتنقذ المرضى ..

مسايرة عبدالله عبدالإله باسلامه اليمن / ذمار

 



مسايرة 
ينفرج باب الغرفة ببطء ليطل صغيره (ناصر) ذو العام والنصف، يفتح له ذراعيه لكنه ينفر منه، مهرولا نحو أمه، وملقيا نفسه فوق السجادة (الل ااا اكاااا) تسجد الأم وهي ترفع صوتها مبتسمة (الله أكبر)، ثم تستوي من وضع السجود (الله أكبر ) تزيحه بيدها برفق لكنه يتمدد متشبثا بالسجادة (الل اااا اكاااا .. الل اااا اكااااا)...
السلام عليكم ورحمة الله..
السلام عليكم ورحمة الله .
تنقض الأم على طفلها ضما وتقبيلا، تلتفت نحوه :
- هههه الولد هرب منك يابو ناصر.. ماعرفك ِ
يبتسم ابتسامة جافة وهو يتحسس ذقنه الناعمة :
- قولي ما يريد يعرفني.
- نسيت إن كان معاك لحية يحسدك عليها إمام الحرم المكي.. اصبر على الولد ..شوية ويساير الوضع.
يطلق زفرة نفاد صبر وهو يلوي رأسه نحو مرآة التسريحة مقتربا منها، يتفقد شاربه الذي أطلقه لينمو لأول مرة، أزعجه انحسار السبغة السوداء عن منابت الشعر، لكنه ابتسم معجبا وهو يلقي نظرة عامة على شكله بالبنطلون وربطه العنق :
- أمس إمام الحرم واليوم من؟
- لا ... اليوم بسم الله ماشاء الله بطل من أبطال السينما.
اتسعت ابتسامته كاشفة عن صف أسنان منتظمة، ناصعة البياض بالكاد خرجت من تحت جهاز طبيب الأسنان، ثم مختص التجميل، وحدها الدائرة السوادء التي تكلل رأسه من بقيت تدلل على ملامح الشيخ رغم نجاح كريمات الترطيب، والتقشير في التخفيف منها، وابتعاده عن السجود على البلاط وقت الظهيره كما كان يفعل سابقا، إلا أنه لازال واضحا كختم أسود يتوسط جبهته يذكره كلما تحسسه بصوت أبو عمار صديق عمره، ورئيسه يوم دعاه إلى اجتماع طارئ، وأن عليه إبلاغ جميع الموظفين الذين يعملون في إدارته.
يومها خرج من الاجتماع دون أن يفهم شيئا غير أن الوضع تغير فعلا !!، وأن عددهم كان ليبقى على ماهو عليه لولا أبو سليم أصغر مساعديه الذي رصدت الكاميرات إمارات سخطه، وامتعاضه، وتذمر البعض، وقلق البعض الآخر، ولم تغرب شمس ذلك اليوم إلا وقد اختفى أبو سليم، وطرد الكثيرين، أما هو فقد همس له ابوعمار وهو يقتاده نحو سيارته:
- تدخلت بنفسي .. المهم تبيض وجهي.
تطلع إليه بخوف، فوكزه برفق في كرشه الكبيرة وهو يغمز له بعينه :
- ما عليك إلا تساير الوضع يابو ناصر.
ليعود إلى البيت يقضي أياما وليال طويلة، مسهدا، يقضم أطراف لحيته، قد جثم عليه شعور بالخوف والقلق، زادته الأنباء التي تصدرت نشرات الأخبار عن علاقة أبو سليم بجماعة إرهابية، والرسائل التي كانت تصله على الخاص بين الحين والآخر رعبا وحيرة وترددا حسمه ذات ليلة، اقتحم فيها غرفة مكتبته الضخمة، وحمل نفائس كتبه، وذخائر مجموعات كتب السيرة، والحديث، والتفسير، والفتاوى... والقاها في الفناء الخلفي، واخد يطعمها للنيران كتابا تلو الأخر مبقيا في حضنه على كتابه الأثير (أصول النجاة والسلامة في منهج أهل السنة والجماعة) أطروحته التي نال بها درجة الدكتوراه، خبت النار حتى كادت تنطفئ وهو جاثم بجوارها يتصفح الكتاب بصمت، وبعد تردد طويل فتحه من وسطه، ورفعه بكلتا يديه ثم هوى به فوق ركبته لينشطر نصفين كالعود اليابس، وبدأ في تمزيقه صفحة صفحه لتتعالى ألسنة النار من جديد.
بمرور أيام قليلة انقلبت حياته، مع تغير مهام عمله الجديد، والتي تحولت إلى أعمال فنية، وسياحية، وترفيهيه...زادته علاقاته الجديدة مع الفنانين، ونجوم السوشيال ميديا الدين يتدفقون على البلاد من كل أنحاء العالم اكتشف معها امتلاكه مواهب وقدرات فنية متعددة، بفضلها شعر بتجدد شبابه، وبمتعة وحيوية، وطموح يتمدد كل ساعة...لولا صغيره (ناصر) الذي ظل يزعجه بخوفه، ويقض مضجعه بنفوره منه، وسؤال يثير غضبه (متى يساير الوضع) ؟.

عبدالله عبدالإله باسلامه
اليمن / ذمار 

رهاب بحار قصة قصيرة

 



رهاب بحار 
قصة قصيرة
لا أذكر منذ متى وأنا على هذا القارب، ينادونني بالربان رجلا عجوزا، لم أدر كيف وصلت إلى هذه السن، حاولت تحطيم جدران الماضي لأراني طفلا، لكنها صلدة أو كأنها مشجب نزلت منه، حتى صوتي ألفه البحر كهديره، وأصابعي تشبثتا بالمقود جافة مجعدة.
آه، أيها العجوز كم ناطحت السحب والأمواج، وسافرت عبر عواصف مائية رملية الى جزر ومحطات.
عندها كم توقفت أنظر إلى البعيد؛ اتنهد قائلا:
- لم يزل المشوار طويل.
رغم صوت من أعماق اللجة حزين، يخطفني إليه، يهتف بي
- تعال ونم.
فأنظر إلى ركابي، انزعج وأحزن لأجلهم؛ أصرخ ويدي تصكان ماء البحر بمجدافي بقوة:
- لا بد أن أوصلهم إلى البر.
يضحكون، ينامون، يأكلون مما اصطاد، امتشق مختالا لأني جبلٌ صنديدٌ لهم، لكن بداخلي بركان على قراصنة يكتنزون الذهب، كلما وصلت نيرانه باب الفوهة، ارتدت وحرقت قلبي؛ نمت في كهفي أتلظى، فالتفوا حولي يبكون، فاعتصرت كل الألم، استنهضت جسدي، سقيتهم نبيذ الأحلام، حتى ثملوا وجنوا بي؛ ألقوا بي على جزيرة، بكيت أناديهم:
- لا تبتعدوا، هنالك مدٌ قادم.
....
بقلم / رندا المهر - الاردن

سلة فارغة بقلم / عبدالجابر حبيب ...

 



قصة قصيرة 
سلة فارغة
غبار يغطي الأشياء. وجوه شاحبة، كأوراق شجرة لم يعرف الماء دربه إلى جذورها. بريق الأمل يزرع في عيون أرهقها النظر إلى الجهات؛ راجية منها أن ترسل لها قافلة محملة ببعض مايسر قلوب المحرومين،
ترقرقت دموع فرح مجهول في عيون صغار القرية.
بعدما أخبرتهم الحاجة عائشة العواد بما سمعته في المدينة من أقاويل شتى، وهي تبيع مالديها في السلة من البيض؛ فقد حرمت أحفادها الصغار منه لتشتري لهم اللباس، والأحذية، وكأن أكل البيض لم يعد لائقاً بالفقراء أمثالهم.
تحت ظل جدار بيت ترهل من ويلات حرب، حطت رحالها في قريتهم النائية عن ملذات الحياة. جلست الحاجة عائشة بعد عودتها من مشوارها المرهق، أسعفها أحد صغار القرية بكأس ماء تجاوزت حرارته درجة الفاتر كما تعلَّم الصغير ذلك المصطلح في مدرسة القرية قبل إغلاقها من قبل أولئك الذين تلحفوا بعباءة الدين الحنيف، واعتبروا كل ماعدا اسم الله زندقة، ودرب إلى الكفر والالحاد، حتى القسم بكتاب الله كفر، وبدعة يستحق من يسير على منوالها الجلد دون تردد، أما ذبح الإنسان لأتفه الأسباب، فلا يكون بدعة، وإنما تنفيذاً لأوامر الله، وكأن الله خولهم ليكونوا وكلاءه في ثواب وعقاب البشر، تناسوا أن تفسير الآيات الكريمة على هواهم بدعة ما بعدها بدعة. وأن الله خلق الجنة والجهنم ليوم الحساب.
ربما رشفة من الماء الفاتر لم تروِ ظمأ السيدة العجوز، ولكن قناعاتها كانت تجلب لها الفرح في كل حين رغم أحلك الظروف، فإيمانها القوي يفسح لها طريق الأمل، لذلك كان صوت الحاجة مفعماً بالسعادة، وهي تبشر أحفادها، وصغار القرية الذين ركضوا إلى بيتها طمعاً بحديث يدور فحواه عن البسكويت، وعصير البرتقال، فقد أصبحا من غرائب الأمور في حياة صغار لم يألفوا سوى الجوع، والفقر، والحرمان.
قالت الحاجة: ستأتي شاحنات محملة بكل ماتتمنوه
من لباس أوربية، وأحذية، وجوارب لم تروها، ولن تروا مثلها قط..
ثمَّ أردفت قائلة: أما عن المواد الغذائية، فهي معلبة، وجاهزة للأكل حتى الفول، والبطاطا، و ورق العنب جاهز للأكل قد لايحتاج للتسخين أيضاً.
تصوروا اللحم المقلي كأنه جهزته الآن. كل ذلك ستحصلون عليه من أول دفعة قادمة إلينا من المعونات، والمساعدات الدولية بعد أيام قليلة، وكمَنْ يريد أن يكون التشويق سيد الموقف.
قالت الحاجة : ها لقد نسيت أن أخبركم بما هو مخصص لكم ..ستلعبون بألعاب لم تحلموا بها في حياتكم من قبل. سيارات تسير على البطاريات قابلة للشحن، ودمى تسير، وتتكلم، وتضحك مثل الإنسان. يقولون عن تلك الدمى بالإنسان الآلي.
بعض الأولاد الذين كانوا يسمعون السيدة العجوز قد سال لعابه من ذكر أنواع الطعام، وهو يتخيل المائدة العامرة أمامه، والبعض الآخر تحلق خيِاله،وأصبح طياراً، والآخر سائق دبابة منتقماً من أولئك الأشرار الذين دمروا بيوتهم، وشردوا أهلهم، وقتلوا أحبتهم،
لاحظت السيدة عائشة مايدور في خلد الصغار .
قالت بفرح كبير :سيجلبون لكم مسابح مسبوقة الصنع لتتعلموا السباحة كي لا تغرقوا في الماء عندما تصادفكم الأنهار، أو البحار، وأنتم في طريقكم إلى الهجرة، والبحث عن اللجوء الآمن في مكانٍ ما..؟
تغيرت نبرة صوتها إلى مايشبه الحسرة، والحزن عندما وصلت إلى الجملتين الأخيرتين،
ولكنها استدركت ذلك، وهي التي تجلدت بالصبر، والحكمة، ومشهورة ببث الأمل في النفوس
عادت مرة أخرى إلى لهجتها المفعمة بالسعادة:
هناك الكثير الكثير مما تحدثوا عنه في المدينة من أجلكم ...
لفحت الشمس وجوه الصغار بعدما تلاشى ظل الظهيرة، وقامت الحاجة تتابع ما تبقى من خطوات إلى بيتها الذي يوحي بأي شيء ما عدا أن يطلق عليه اسم البيت، فالبيت يعني مايخطر في خيال المرء من صور، غرف عديدة، ومطبخ، وحمام، وبيت الأدب،
توقفت قليلاً أثناء سيرها،وكأنها انتبهت لشيء مهم ذلك الصغير الذي أراد التبول على بعد خطوات من الجميع قالت الحاجة عائشة بصوت هامس: ماذا دهاكم يا أولاد، ألا تعرفون بيت الخلاء،، بالمانسبة يأولادأهل المدينة يسمونه(تواليت). لِمَ له من أهمية في حياة الإنسان،
وكمن أدرك حقيقة ماهو عليه، من واقع بائس أردفت الحاجة عائشةبلهجة لاتخلو من التهكم: كل هذا الخلاء لكم، ومازاد من فرص الخلاء تلك البيوت المدمرة الخالية من ساكنيها.
تلاشت ابتسامتها بعدما مدت يدها لركبتيها، عجباً من هذا الروماتيزم لايتركها حتى في الصيف القائظ، كيف ستكون حالها في الشتاء؟
إذا دخلتَ بيتها، أقصد دون شكٍّ بيت الحاجةعائشة، فحدث، ولاحرج غرفة لاتشبه الغرف
حفرة تحت بقايا أنقاض. بيت بدون معالم لا تدل عليه سوى بعض الأحذية المترهلة كأحلام سكان القريةجميعهم .
سأل الحفيد الصغير جدته: هل سيأتي أبي، وأمي مع هذه الشاحنات المحملة بكل شيء. 
تجمد الدم في عروق الحاجة، خانتها الكلمات، والفطنة بالرد المناسب. تلعثَم لسانها، همهمت بكلمات غير مفهومة هروباً من حفيدها، وحفيدتها الأكبر سناً.
منذ أن غربت شمس ذلك اليوم ، وحلت العتمة التي ابتلعت أحلام أولئك الصغار. طال الانتظار، ومضت الأيام،وأخيراً تمخض الجبل بفأر صغير
هاهي سيارة من نوع الفوكس فان، أوربما يطلقون عليها( آتش وان) ناصعة البياض تحمل موظفَين من منظمة دولية تزين واجهة السيارة شعار جميل "من أجل غد بلا أرق نفسي نحن هنا"
ترجل المسؤول الأول، وسار إلى أقرب بيت من السيارة، ونادى بصوتٍ جهوري: يا أهل البيت ...ياأهل البيت ....
خرجت السيدة عائشة من وكرها، وهي ترد على صاحب الصوت :نعم أخي ....تفضل ...سكان هذا البيت في ذمة الله
ماتوا، وهم في طريقهم إلى النجاة بقذيفة.ما..؟ بعضهم قال عنها إنها قذيفة هاون، فهي عمياء لاتميز بين المسلح، والمدني،
وبعضهم قال إنها قذيفة طائرة ، والآخر قال: لاشك أنها قذيفة دبابة، أو مدرعة، فهي كانت خارقة حارقة، وبطيبتها المعهودةأكملت حديثها: والله يا بني لا أفهم بهذه الأمور ، ولكن الشيء الأكيد أنني فقدت الأعزاء على قلبي. العفو يابني لقد أوجعت رأسك،
قال الموظف: نحن من هيئة دولية قادمون إليكم بهدف الدعم النفسي
قالت الحاجة : ماذا عن الدعم المادي. نحن ميتون من الجوع. أشباح، وهياكل بلا لحم ...
قال الموظف المسؤول: هذا ليس من شأننا ...هناك منظمات أخرى تهتم بهذا الجانب ...
كان كلامه يمزق أجساد أولئك الأطفال الذين تحلقوا حول السيارة الصغيرة ... دفنوا أحلامهم بتلك الكثبان الرملية التي غطت ساحة، وأزقة القرية ...
ابتعدت السيارة بعدما تركت العجلات أثارها في الرمال الناعمة، دون أن يدري ذلك الموظف الأممي بأنه فتح شروخاً في القلوب، تماما كالقذيفة التي دمرت هذه البيوت، والتي ستبقى مجرد أنقاض تشوه ملامح الإنسانية
....عبدالجابر حبيب ...

الغدر المتربص بقلم / طارق الصافي - مصر


 الغدر المتربص

علي مقربة من أمه وتحت نظرها يتسلق الطلا《 ابن الظبي》 ويقفز ليختبر رجليه النحيلتين على مواجهة المخاطر إذا أحدقت...يناطح إخوته محاولا التشبث بالأرض.. يبتعد الصغير قليلا عن أمه وإخوته ليحقق أملا للعدو الكامن المرتدي ثوب السكون وإن كانت أنفاسه الجائعة قد طارت ليشمها الصغير.. وهو لا يدري أن خطواته الوادعة تقترب من خطوات الفزع الواثبة حيث أطبقت الأنياب فى حبل الوريد وهو يضرب أقدامه يعلن عن شدة اختناقه وطلبا للنجدة.
في هذه اللحظات الأخيرة اليائسة العاجزة عن النجاة يمر أمام عينيه الجاحظتين شريط شهوره القليلة التي عاشها مع أمه وإخوته وتنسم فيها عبير الحياة.. حين التقت عيناه الصغيرتان بعين الذئب الدامى ورقبته في فمه وكأنه يدعوه ليجلس بجواره ليشاهد معه شريط أيامه الحلوة التي قرر أن يزهقها ويقطع وصلها الماتع و يكتم أنفاس اماله في أن يحيا حتى يشب ويبدأ دورة حياته...
يتذكر مزاحمة إخوانه حين الرضاع وتدريب أمه له على المناورة إذا أطبق الخطر والتى لم تفلح معه فى أول مواجهة.. حتى يصل إلى المشهد الأخير حين ساد صمت القاتل والمقتول وقد سرت الى القاتل رسالة يتخاطر بها المقتول ليفزَعه ما بقيت حياته 《 لقد قتلت معى أمى وأخوتى فقتلت مباهج الحياة 》
توقفت قدماه عن المقاومة معلنة فراق الحياة..!
وصلت إلى الأم التي كانت تقف على مقربة من صغيرها رسالة بالفراق الأبدي وهي ترى الأنياب قد غرزت في وريد صغيرها وقد التقت عيناهما وهو يرسل لها إشارة السلام والوداع دون ان يستطيع ان يلوح لها بالفراق..
حينها استدارت الأم لتسير على أقدام متثاقلة لا تحملها وعيناها تفيض من الدمع حزنا ان لو كانت هى طعمة الجائع الدامى ...
صارت منكسة الرأس تكذب نفسها ان ما رأته خيال وأنها سوف تلقاه أمامها ..
ترى..
هل كانت تلوم نفسها أنها لم تغامر لإنقاذ وليدها ليحيا وإخوته وتكون حياتها هى فداءه كشيمة الأمهات ؟
هل تقتلها نظرات صغيرها المحشورة في الفم الدامي وهي عاجزة عن إطلاقه ليحيا ؟
هل كانت تحقن قلبها الودود الصافى بسيل من الكراهية لعلها تستطيع أن تعود لتنتقم من قاتلها في إبنها ؟
هل أثقلت هذه الأفكار أقدامها المترنحة وهي تنظر إلى صغارها لتخبرهم أنكم لن تروا اخاكم ثانية.
بقلم / طارق الصافي  -  مصر

يَباب قصّة قصيرة عامر عودة - فلسطين


 يَباب 

قصّة قصيرة

أنا لستُ بحلم بل هو واقع...
لا أرى أمامي سوى قطع وأشلاء... أجزاء مِن أشجار مبعثرة... أحجار بيت متناثرة... زهور مقطّعة ومرْمية... أخشاب ربّما كانت سورًا لحديقة... عُشُّ عصفور يرزح على الأرض وبداخله فِراخ... طير بلا جناح يحمل بمنقاره بعض قطع منَ الخبز... رأس هنا... يد هناك... بعض الأصابع... أشياء أخرى مفصولة عن بعضها البعض لا أستطيع تمييزها...أشلاء... أشلاء... أشلاء... لا شيء سوى أشلاء...
أنا لستُ بحلم هي حقيقة!
أقف ساهمًا محتارًا أمام هذا المشهدِ الّذي يهصرُ القلب، والذي كان في يوم مِن الأيّام جميلًا ببيوته وسكّانه وأشجاره وشوارعه... جاء مَن قطَّعه وحوّله إلى يباب! هل مِنَ الممكن إعادة تكوينه، أَمْ سيبقى القبح متفوقًا على الجَمال؟ هل باستطاعتنا إلصاق أعضاء مبتورة وإعادتها إلى الحياة مِن جديد؟ أسئلة كثيرة جالت في خاطري. وما علينا إلّا أنْ نحاول؛ فنحن في زمنِ المعجزات. ألَمْ ينجح الأطبّاء في وصل أصابع أشخاص مِن جديد بَعْدَ أنْ قُطعت بسبب حادث مأساوي؟ ألَمْ يُعيدوا أرجلًا وأيادٍ مبتورة إلى مكانها؟! حتّى الأَعيُن والآذان نجحوا بإعادتها إلى مكانها في الرّأس. والأغرب أنهم استطاعوا إعادةَ الحياة لأموات بعد أنْ توقّف نبض قلبهم! أليست هذه معجزات؟ كم سهل أنْ تَقطع أو تَكسر أو تَهدم أو تَقتل، وكم صعب بعد ذلك أنْ تَجمع وتُلصق وتَبني وتَخلق الشّيء مِن جديد. لكنّه ليس بالأمر المستحيل. وكم تكون بليدًا وبلا طموح أو إبداع إنْ لم تحاول إصلاح ما تمَّ تخريبه. ونحن صغار كنّا نُفكك ألعابنا لنرى ما يوجد في داخلها، ثمَّ نحاول تركيبها مرّة أخرى. أحيانًا ننجح، وأحيانًا نفشل، لكنّ المهم أنْ نحاول. مِن هنا تبدأ ثورةُ العقل، مِن هنا يبدأُ الإبداع. أليستِ الثّورة هي هدم وبناء؟ فلماذا لا أحاول بناء ما تمَّ تخريبه؟ الحياة تولد مِن رحمِ الموت، ولولا الموت لاستحالتِ الحياة. سأحاول أنْ أصنع أنا تلكَ الثّورة، سأحاولُ أنْ أخلقَ حياةً مِن هذا الموت.
قلت لكم إنَّني لا أحلم، أنا بكامل وعيي!
ها أنا أمسك بأحدِ الأفنان المَرميّة، وأضعها بجانب ما تبقى مِن إحدى الجذوع الجذلى فتنجذب إليها كالمغناطيس وتلتصق بها. أبحث عنِ الأجزاء الأخرى للشّجرة... أجد بعضها... أحاول جاهدًا أنْ أضع كلّ قطعة مكانها... إنّها ترفض أنْ تكون على شجرة غير شجرتها، أو بمكان ليس لها، أو بأرض ليست أرضها. فهي ليست كالبشر تحتلُّ أرض غيرها لتعيش هي على حساب أصحاب الأرض الأصليين. وبنفس الوقت، لا تتقبل جسمًا غريبًا يدخل إليها أو يلتصق بها، لئلا يتشوّه منظرها، فتقاومه حتّى تلفظه، كما يلفظ الجسم بقايا الطّعام الفاسد.
أنا لا أحلم... فها أنا أمسك ببعضِ القطع المتناثرة وأعيدها إلى مكانها حيث كانت... وها هي بعضُ الأشجار تشمخ وتورف مِن جديد... أحملُ العُشَّ بفراخه وأعيده إلى مكانه بينَ الأفنان، وها هيَ العصفورةُ الّتي تحملُ الطّعام بفمها، تقف بجانب زغاليلها فرحة بعد أن أَعَدْتُ لها جناحها...
لقد نجحت بمهارة أنْ أُلَمْلِمَ معظمَ القِطعِ المتناثرة ووصْلها مع بعضها البعض. وها أنا أيضًا أنجح في جَمْعِ حِجارةِ البيت وبنائه مِن جديد. أَلَمْ أقل لكم أنَّني لا أحلم؟! ها أنا أُعيدُ الحياةَ للوحة كاملة كانت مقطّعة ومبعثَرة. كم أنا فرحٌ لأنّني نجحت في ذلك. ولَم يبقَ أمامي إلّا جمع بعضِ الأشلاء المتناثرة لبعض الأشخاص، لكي أعيد جمال لوحةِ البازل الّتي أمامي كما كانت.
عامر عودة - فلسطين

بالأبيض و الأسود بقلم / روضة الدّخيل - سوريا

 



بالأبيض و الأسود
- من سيلقي كلمة التّأبين ؟
قالتها وهي تحبس دموعها.
نظرات دهشة انطلقت من العيون، و لا جواب صريح سوى استنكار و ذهول.
- سألقيها أنا، قالتها بحزم و استدارت نحو غرفتها.
كان ألبوم الصّور على طاولة صغيرة، اعتادت أن تقلّب فيه كلّما راودها الماضي في حلم جميل أو كابوس، صوره بالأبيض و الأسود فقط كالحقيقة المجرّدة ففي عرفها الصّور الملوّنة تحمل تزييفا تجعل النّاظر مخدوعا، تأمّلت صورة قديمة لها حين كانت طالبة في المرحلة الثّانوية و قد ارتدت الزّيّ المدرسيّ و ابتسامة واسعة ارتسمت على شفتيها عربون إيمان بغد قادم جميل.
وسرعان ما صارت الصّور بين يديها باهتة و كأنّ غشاوة حاصرت عينيها، كلّ ما تراه تاريخ لم يمثّلها مطلقا، هي و هو نقيضان اجمتعا دون امتزاج و مع ذلك أصرّت على عدم الانسحاب و الاستمرار حتّى اللّحظة، كانت طالبة مثاليّة أو ربّما أشبه بامرأة آلية أجادت القيام بمهامها بأكمل صورة، نسيت نفسها و أصبحت ظلّا .
كلّ عزائها أنّها استطاعت أن تكون أمّا ناجحة، و ما تبقّى لا يهمّ.
فتح ابنها الأكبر الباب و راح ينظر إليها بعتب كبير: أحقّا ستلقين كلمة التّأبين؟
و ماذا ستقولين؟
لم تجب، بل راحت تتأمّل صورة جميلة جمعت أولادها و أحفادها، و أخذت تتمتم بصوت هامس:
فخورة بحصاد مواسمي
و ما تبقّى لا يهمّ.
روضة الدّخيل
سوريا

خداع قصة قصيرة بقلم / سهام الوهيبى .....بورسعيد - مصر

 

قصة قصيرة
خداع
سهام الوهيبى / بورسعيد - مصر
**************************
تُشرقُ لاهثةً وراءَ الحب .. تَغربُ باحثةً عن الأمل ..
تَحلمُ بالحيَــــاة .
تصادفُهُ مَرَّاتٍ و مَرَّات ....
لم تَشُكْ فى اللقَــــاء .... و لم تَشْكُ الاغتراب ....
لهفتُهَـــا غيَّبَتْ الحقيقــــةَ عن ناظَِريْهَــــا ....
فهو مَنْ كانَ يتَرقَّبُهَـــا و يُرَاقِبُهَـــا ؛ إلى أن أصبحَ يرى أفكارَهَـــا مُجَسَّدَة ، أحْكَمَ خِطَّتَه ....
و أظهرَ نفسَهُ لها فى وقتٍ مناسبٍ لرغبتِها ؛ فلم يلقَ نُفُــــور .
تيقَّنتْ بحَدسِهَــــا المُغيَّبِ أنَّهُ قَدَرُها ؛ فآمنتْ بِــــه ..
استجابتْ لإرادتِه ، فسَلَبَ إرادتَهَــــا ....
اسْتَسْلَمَتْ للحُـــب ، و غزا قلبَهَــا المُتيَّــم ....
فكان قلبُـــهُ مقْبَرتَهَـــا .

مشاركات الأعضاء

قدر العرب للشاعر متولي بصل

    قدْرَ العربْ متولي بصل مصر *** غدا يعرفُ الناسُ قدْرَ العربْ وأنَّ العروبةَ  مثل الذهبْ وأنَّ البلاءَ على قدْرِها عظيمٌ وكمْ منْ بلاءٍ ح...

المشاركات الشائعة