Translate

الثلاثاء، 11 يناير 2022

امتداد بقلم : محمد البوركي - المغرب



 امتداد

ألم به الداء الخبيث ، أقعده الفراش ، يئس الأطباء من شفائه ، ها هو ينتظر حلول الأجل بين الفينة و الأخرى . زوجته ترابط بجواره ، تواسيه و تضمد روحه المكلومة ، لا تطيق فراقه و لو للحظة . في تلك الليلة الممطرة استبد به الألم ، بات يتلوى و يئن ، و ما لبث أن راح في غيبوبة عميقة .
كانت تتأمل وجهه الضامر الشاحب ، عيناه غائرتان منطفئتان ، جبهته ناتئة ، لقد شاخ دفعة واحدة قبل الأوان . تدفقت الدموع غزيرة من مقلتيها لم تقو على كبحها ، سرحت بذهنها بعيدا تقلب شريط ذكرياتهما :
أعوام الكد و المثابرة بكلية العلوم تكللت باحتفالهما بالتخرج ، هاهما يصطفان إلى جانب زملائهما فوق المنصة يشع وجهاهما بوميض آلات التصوير و الكاميرات ، ينتشيان بلذة النجاح و دفء مشاعر الأهل و الأحباب . لم تتوقف الفرحة هنا ، بل تضاعفت عند تعيينهما معا في مؤسسة تعليمية واحدة . عزمهما على لم الشمل ، أجواء العرس البهيجة : عالم وردي مخملي، ها هي ذي ترفل في فستان الزفاف الأبيض الناصع ، يعلو هامتها تاج مرصع بالجواهر الكريمة ، تختال ضاحكة فوق "العمارية"، والنسوة يرددن:
" الصلاة والسلام على رسول الله، لاجاه إلا جاه سيدي محمد ،الله مع الجاه العالي ". الزغاريد تطرز بهجة العرس، وشذا العطور فواح .
ثم فجأة حدث ما لم يكن بالحسبان إذ انقلبت حياتهما رأسا على عقب إثر النبإ المشؤوم : استشراء سرطان القولون الذي لم يكشف عنه إلا بعد فوات الأوان ، حصص العلاج الإشعاعي و الكيماوي المرهقة ، ليالي السهاد الطويلة...
قاومت بشراسة الإحباط المتربص بها ، لم تترك له فرصة افتراسها .
كانت حاملا في شهرها الأخير، داهمها المخاض ، تجمدت في مكانها ، نادت أمها ، ساعدتها على التمدد ، غطتها بملاءة خفيفة ، توجعت بحرقة ، ما هي إلا ثوان معدودة حتى سمع بكاء المولود ، كان ذكرا .
في تلك الأثناء استعاد الأب وعيه ، مال برأسه ناحية ابنه ، نظر إليه مليا ، ابتسامة ساحرة ارتسمت على محياه النحيل ، و نظر إلى زوجته نظرة دافئة حانية ، تحسست يديه الباردتين ، شعرت بخوف رهيب ، افترت شفتاها عن ابتسامة شاحبة ، ثم فجأة أرسل شهقة حارة ، و فاضت روحه الطاهرة .
صرخت صرخة مكتومة ، و امتقع لون وجهها ، حافظت على رباطة جأشها دونما جزع و لا فزع . و ضعت رضيعها جانبا و انحنت على الجثمان و طبعت قبلة طويلة على جبينه . نهضت بصعوبة بالغة ، لا وقت للنواح ، شمرت عن ساعديها و باشرت بنفسها مراسيم الجنازة . بقلم : محمد البوركي - المغرب .

زمهرير عباس المفرجي

 زمهرير

احساسي بالبرد هذا اليوم عالي جداً، أكثر من الأسبوع الفائت، لذا قررت أن أصبح معارضاً لهذا النظام القطبي المقيت الذي بدأ يجثم على صدري الدليع رصعته، وأوشم صبغته الحمراء على أنفي
وأنا أستغيث في القصاص البيت، معانياً منه تصطك أكتافي برعشة الخوف من بطش ثلوجه القمعية وأساليبه الأنجمادية ، طالبت دعائم الأمم الشمسية ،
بجولة تفقدية في مكابح الفجر وعلى مضارب الليل لكي ينصتوا جيداً على طقطقة عظامي أمام رفاة الحطب ويميزوا بينهما .

عباس المفرجي.

السبت، 8 يناير 2022

"إفاقة" .......... علي يحيي _مصر





 "إفاقة"

أفاق من سباته العميق لم يكن ليري أحدا ولم يجد له ظلا ولم يقتفي أثر طيرٍ او خطو حيوان، داعبته أحلام الثراء ولم في الفقر يمكث طيلة عمره وكيف السبيل إلي سبل الحياة المنعمة ..وإذا به يري طائرا قد قض حبال أفكاره وأخذ ينشد حزنا ولكن هذا الآدمي ضرب عنه صفحا حتي أعمل ذلك الطير الحزن في قلبه حتي لانت قناة الآدمي له وأسترعي أذنيه له حتي سمعه يدفن رأسه في أرضه باكيا ينظر لأعلي شاكيا وهكذا دواليك..ثم طار وهكذا عودٌ علي بدءًِ...تدبر الآدمي فعلة الطير ثم أراح جسده....
وتذكر وطنه فتحلز قلبه حزنا وكيف انه أسيرا رازحا تحت نير الاستعمار ..وانه اصبح لقمة سائغة لمحتل قديم ، فأنفض عنه غبار الأحلام المتسكعة وزيف المستقبل الوردي وأستيقظ علي حاضره الكبدي.. تذكر أجداده ومسري النبي فتقطعت نياط قلبه فأخذ يقلب كفيه فلم يجد ما يخبو بهم خزيه الا خطين علي كل كفً تقابلا ان هنا رب له من الاسماء ماتدعوه بها فشمر عن ساعديه ليبدأ الجهاد ؛ ألا وهو جهاد النفس.
✒علي يحيي _مصر

طفولة مبتورة!......................صابر المعارج




 طفولة مبتورة!

هوت كفه الغليظة على وجهي الصغير، تطاير من عيني شرر! كتمت نشيج صراخي مرعوبا فإن نبست ببنت شفة لتوالت صفعاته كالمطر.
......
سابقتْ الريحَ خطاي! قاصدا اياه، لا احد سواه ابي.
لايمكنني الجزم فيما اذا كنت اروم ادخال السرور على قلبه، لاسيما وقد انهكه المرض وخارت قواه.
ام كنت ابغي التشفي وايقاد جذوة تأنيب ضميره؛ جراء ماارتكبه في حقي من جور؟!
فلقد بتر طفولتي ووسمها حرمانا وشقاءً!
في ذلك اليوم الفارق في حياتي، قبض على معصمي النحيل بقسوة، سحبني بفضاضة قطع بي مسافات طويلات موحشات! قضى نصفهن متمتما بشائم مبهمات تراءى لي ان جزءا لايستهان به منهن في قدح امي، واجزاء اخريات في لعن القدر! ساقني عنوة حيث عمله الشاق في قرية نائية...
! صحت
:-أبي..أبي نجحت، هذه وثيقة تخرجي!
كان ممددا على ظهره، وجهه بلون التراب مشوب، ساقاه ضامرتان تبدوان كلوحين تحت ثيابه.
أومأ لي بعينين غائرتين ان
:-اقترب
استجمع كل ميراث قوته الغاربة، عانى كثيرا وهو يرفع كفه الذاوية، ليلامس جبيني...
انثال من كفه شلال حنان، غمر روحي دفأ وسلاما، وعلى شفتيه المتيبستين ظل ابتسامة خافتة، واستسلم لنوم ابدي..
صابر المعارج

تجارة رخيصة .......... حسن الموسوي/ العراق

 

تجارة رخيصة
...................
تصفحت في وجوه الحاضرين و كأنها تستجدي العطف ، لعنت حظها العاثر الذي جعل منها مرافقة لفنانة مسرحية كبيرة ، احتواها الحسد
لم لاتاخذ فرصتها كي تكون فنانة مشهورة ؟ خصوصا وانها تمتلك كل مقومات النجاح حسب رأيها ،
اخرجت مرآتها من حقيبتها واخذت تتطلع في وجهها .
- أنا اجمل من تلك الفنانة المغرورة قالت في سرها كذلك انا أصغر منها بكثير
خلف كواليس المسرح ، بدأت تبحث عن مخرج المسرحية ، وما أن لمحته من بعيد حتى هرولت باتجاهه كي تكون امامه ، فتحت الزر العلوي لقميصها
وبحركة مقصودة اصطدمت به كي تثير اهتمامه
تناثرت الاوراق من يديها
انحنى ارضا كي يساعدها في جمع الاوراق
نظر اليها مليا ، سحره جمالها ، لم يستطع ان يمنع نفسه من النظر الى صدرها المكتنز
ابتسم وسألها
- من أنت
وماذا تفعلين هنا ، أنت تمتلكين كل مقومات النجاح ، بأمكاني ان اجعل منك فنانة مشهورة
لم تستطع أن تخفي فرحتها وهي تستمع لمديح المخرج و ثناءه .
امسك بيدها محاولا ان يساعدها على النهوض ، لم تعترض على ذلك
- أنا من المعجبات بأعمالك المسرحية ، قالت ذلك وهي تنظر إليه
مساءا" كانت في شقة المخرج الذي لم يكن يصدق كيف تطورت الامور بهذه السرعة ، بعد ان شاركته اطراف السرير اسند اليها دورا" في المسرحية الجديدة ، ودعته بعد أن سلمها دورها مكتوبا بخط اليد
صباح اليوم التالي كانت على خشبة المسرح كي تتمرن على دورها كذلك لأظهار التحدي للفنانة التي تعمل معها ، لم تجر الامور كما ارادت فلقد بدت مضطربة و خائفة
نظرت إلى صديقتها الفنانة بارتباك وكأنها تطلب المساعدة
ابتسمت الفنانة وقالت
كان عليك أن تتطهري من ادرانك قبل ان تصعدي الى المسرح ، فدور الناسكة يتطلب امرأة تمتلك العفة والطهارة وتركتها ومضت
حسن الموسوي/ العراق

لعبة الأصول صلاح نبيل مصر


 لعبة الأصول

الأحداث تدور في رأسي مع بزوغ كل فجر، أطل علينا لآخر مرة ببطنه البارز ووجهه المفلطح مهددًا، إنه معلم اللغة العربية، ممشوق القامة بلسانه الفصيح ولكناته العجيبة، كان رافضاً لقب الأستاذ، معتزًا بمناداته بالشيخ، زعم أن الجميع لا يفقهون شيئًا سواه، ورث علوم اللغة من أوراق أثرية نادرة بمكتبة جده، لقد احتل الفرنسيون في حملتهم ديار أجداده وسلبوها بعض أصولها كأنهم موصين بها، حاول معنا جاهدًا إتقان اللغة؛ إلا أنه خاب ظنه فينا، لسنا من الهواة شيخنا ولكنا باعة متجولون للعلوم والمعارف، ما أن ننجح إلا وننس اليوم ما حفظناه أمس، أعاد على مسامعنا لفظ هوية، قومية ولفظ الأصول عدة مرات، لم نبال بالأمر حتى أذكى طالب في دفعتنا والذي وصل الوزارة لاحقاً لم يكترث، ضارباً يده بالجدار، لقد انتهت رسالتي، إذن فضعتم والزوال قريب.
وقع على الأرض ملتصقاً بها، باكياً، صاح بصوت جهوري، لن تعودوا وكررها مرارًا، لم نسمع عنه بعدها، لم نعد نهتم لأمره، ولا ندر هل انشقت الأرض وابتلعته؟، ذاع صيته مؤخرًا فجأة، لم ندر أحي أم ميت، ولكن هذا اسمه يملأ الفضائيات وشبكات الإنترنت، وسط مناداة المجمعات اللغوية العربية استرداد مخطوطاته الأثرية التي بيعت في مزاد إلكتروني لمستشرفين إنجليز باحثين عن العربية وعلومها.
صلاح نبيل
مصر

مخاض...... نجوي حسيب مصر

 مخاض......

داهمتها آلام المخاض، تحسست بطنها المتحجرة، وامسكت المنديل تجفف العرق المتصبب على جبينها .
أمسكت هاتفها بصعوبة ترن لا مٌجيب للمرة العاشرة.
سال مائها على الأرض،ترتعش قدماها ،تصرخ صرخة مدوية عالية،
اندفع جنينها خارجًا إلى الحياة مخضبًا بالدماء، سقط على الأرض لم يحرك ساكنًا،
تبعته عيناها المجهدتان، اندفعت دموعها على خديها الشاحبين، جثت على ركبتيها تلتقط الوليد،
احتضنته ودلكت صدره وظهره برفق، مازال الحبل السري مربوط بينهما،
سمعت صوت انفاسه وبكاء ضعيف،
نظرت حولها انتزعت مفرش على مائدة قريبة لفته بها، تنتظر أن يرتفع صوته معلنًا الحياة، سمعت مفتاح الباب يعلن وصول زوجها، صرخت
تناديه، اندفع نحوها.
أصابه الذهول من مشهد الدماء واحتضانها لوليدها.
في اليوم التالي كانت تجلس في سريرها تحتضن طفلها وتلتهم الطعام الذي يقدمه لها وهو يداعبها بطلتي......
نجوي حسيب
مصر

ضباب الزهرة الصالح/المغرب

 

ضباب
أمطرت بعد اشتياق!..أحب رائحة التراب المبلل والمشي تحت المطر، جبت كل الطرقات المجاورة، الجو يغريني كي أبتعد، لاحت أمامي مجموعة من الناس مكومة في دائرة أمام مركز الشرطة..وأنا أقترب، بدأت أسمع لحنا جميلا:
_ هذا اللحن سمعته من قبل، ولكن أين؟ ومتى؟!..
كانت تجلس على الطوار، سيدة تناهز الستين سنة..ملابسها الملتصقة بجسدها وشعرها الذي تكاد تعد خصلاته، توحي بأنها مكثت تحت المطر طويلا..لقد كانت تغني!.لا! بل تعدد:
_"يا ربي سبدي آش عملت أنا ووليدي!.. ربيتو بيدي وداتو بنت الرومية، ولدي أنا..."
أحفظ هذه الكلمات عن ظهر قلب..كانت نساء البادية في المواسم والأعياد يجتمعن في منزل إحداهن، فيساعدنها في التنظيف وصنع الحلوى في جو من المرح والفرح، يحكين عن أنفسهن، أزواجهن، وأبنائهن في الغربة، وفجأة تستسلم إحداهن للبكاء وكأنها تثير الأخريات فيبدأن في ترديد هذه الكلمات ويصاحبنها بالدموع...
وضعت يدي على كتفها:
_ سيدتي، احتمي من المطر، سوف تمرضين!
لم تجب ولم تحرك ساكنا.. الناس من حولها كل يتمتم بما يصوره له فكره؛ فيظهر ضابط الشرطة ويناديها..تمسك بيدي وتنظر إلي باستعطاف كي أرافقها للداخل..يسألني الشرطي من أكون، فتجيب هي:
_ قرببتي.
_ اجلسا هنا!.. ويشير إلى كرسيين خشبيين في الباحة العريضة التي تتوسط المكاتب.
أجلس بجانبها مستغربة، كيف يسمح لي بمرافقتها إلى الداخل!..أنظر إليها فأحس أنها بدأت تستجمع قواها.. تطلب مني ألا أرحل حتى ينتهي استجوابها؛ فأومئ لها بالموافقة!.
وكأنها تقرأ مايجول بخاطري، تسترسل:
- يطاردني هؤلاء الأوغاد منذ أسبوع، يتبعون خطاي أينما ذهبت، يأتون إلى بيتي دون سابق إنذار، فيبدأ العميد في الشتم والسب، بينما يقلب الضباط البيت أسفله على أعلاه وأنا أنظر خائفة مرعوبة من دون حراك..عندما لا يجدون مايبحثون عنه، يأتون بي إلى المركز، وهنا توضع نفس الأسئلة وأجيب أنا بنفس الأجوبة.
_ وماذا يريدون بالتحديد؟
_ يطرحون أسئلتهم المعتادة "من أين لك هذا؟" ويبحثون عن دليل يوصلهم إلى ابني القاطن بالخارج والمتزوج من امرأة (رومية ) أوروبية، ( تبتسم ابتسامة ساخرة) والذي لا أعرف عنه شيئا منذ أربع سنوات! حين ينتهى الاستجواب، أجر رجلي في تعب ووهن.. في الخارج أسمع همهمات العسس: "إنه إرهابي! لا بل تاجر مخدرات! أظن أن له يد في مقتل فلان..." وهكذا أعيش في كابوس لا أدري متى سينتهي؟ ولا كيف؟!
أربت على يدها، فتتنهد تنهيدة عميقة.
يسود الصمت، إلا من حركة الموظفين المتنقلين من مكتب إلى آخر.
الدقائق تمر ببطء، والجو رغم برودته يزيد اختناقا..يتضامن الخوف والبرد ليصيبا جسدها برعشة قوية..
أخيرا يظهر الضابط:
_ يمكنك الرحيل، ولا أريد أن أراك هنا ثانية (يقولها بنبرة حادة وكأنها متهمة)
تقبض على ذراعي بيدها المرتعشة وتحاول النهوض لكنها لا تستطيع..تنظر إليه بعينيها المرعوبتين، وبصوت مبحوح خافت:
_ و والاستجواب!.. وابني!.. وجدتم...؟
_ كان مجرد تشابه أسماء!
الزهرة الصالح/المغرب

الجَلَّادُ والرَّضِيعُ محمد جعيجع من الجزائر

 


الجَلَّادُ والرَّضِيعُ 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذَاتَ رَبِيعٍ دَفَعَتْ بِيَّ الأَقْدَارُ إِلَى دَارٍ مُغْمَضَ العَيْنَيْنِ بِصَرْخَةٍ مَنَحَتْ لِيَّ الحَيَاةَ بَعْدَ أَنِ اقْتَرَفْتُ أَوَّلَ الذُّنُوبِ الَّتِي لَا أُحَاسَبُ عَنْهَا مُسَبِّبًا آلَامًا كَبِيرَةً لِمَنْ حَمَلَتْنِي كُرْهًا وَوَضَعَتْنِي كُرْهًا؛ وَلَمْ أَكُنْ أَعْلَمُ أَنَّهُ مَخَاضٌ عَسِيرٌ لَكِنَّهَا مَشِيئَةُ مَنْ يَقُلْ لِلشَّيْءِ: "كُنْ فَيَكُونُ" بِإِذْنِهِ...
جَارَتُنَا رَزَقَهَا اللهُ بِتَوْأَمٍ ذَكَرٍ وَلَيْسَتْ لَهَا الْقُدْرَةُ عَلَى إِرْضَاعِهِمَا مَعًا، فَكَانَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يُشَارِكُنِي أَحَدُهُمَا طَعَامِي. لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَيَّامَهَا حَلِيبٌ مُعَلَّبٌ بَلْ مَصْدَرٌ طَبِيعِيٌّ فَحَسْبُ؛ وَقِيلَ لِي بِأَنَّهُ أَرْضَعَتْنِي أَرْبَعُ نِسْوَةٍ مِنْ بَيْنِهِنَّ أُخْتِي رُفْقَةَ مَوْلُودِهَا بِالإِضَافَةِ إِلَى وَالِدَتِي...
وَلَمْ أَكُنْ أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَأْتِي عَلَيَّ يَوْمٌ أُسَدِّدُ فِيهِ حُقُوقَ الرَّضَعَاتِ بِجَلَدَاتٍ يَكُونُ فِيهَا الجَلَّادُ صِهْرِي وَالمِجْلَادُ أَخِي الَّذِي كَانَ عِنْدَ عَودَتِهِ مِنْ سَفَرٍ مُتَعَلِقٍ بِالدِّرَاسَةِ يَبْدَأُ بِزِيَارَةِ أُخْتِهِ وَزَوْجِهَا قَبْلَ رُؤْيَةِ وَالِدَتِهِ. الصِّهْرُ الّذِي يَشْحَذُهُ ضِدِّي فَيُسْرِعُ إِلَيَّ بِالشَّتْمِ وَالتَّقْبِيحِ وَالضَّرْبِ دُونَ سَبَبٍ يَذْكُرُهُ؛ يَأْتِي كَثَوْرٍ هَائِجٍ حَمَلْتَ فِي وَجْهِهِ خِرْقَةَ قُمَاشٍ حَمْرَاءُ تُثِيرُ بِلَوْنِهَا غَضَبَ الثِّيرَانِ...
أَرْضَعْتِنِي لَيْتَنِي مَا كُنْتُ أَرْضَاهَا ... تُرْضِعْ وَقَدْ حَيَّرَ الشَّيْطَانَ مَسْعَاهَا
تُرْضِعُنِي وَابْنَهَا وَالبَعْلُ قَدْ حَازَ لِي .... حِقْدًا دَفِينًا قَدْ صَاحَبَ ثَـدْيَاهَا
رَضَــعْتُهَا مُـكْرَهًا وَالأَمْـرُ مَا كَانَ لِي ... أَرْعَى وَقَدْ سَـمَّـمَ الإِحْـقَادُ مَرْعَاهَا
تَـنْظُرْ وَقَـدْ أَحْـضَرَ الجَـلَّادُ مِــجْلَادَ ظُلْـ ... مٍ وَاحِدًا مِــنْ إِخْـوَتِي فَأَرْضَاهَا
يَجْلِدُنِي عَنْ مَاضٍ لَمْ يَكُنْ رَغْبَةً ... مِنِّي وَلَا رَحْمَةً لِي مِنْهُ أَلْقَاهَا
يَمْــضِي إِلَى بَيْــتِهَا مِنْ سَــفَرٍ مُسْرِعًا ... بِالشَّوْقِ بِالطَّاعَةِ العَمْيَاءِ يَلْقَاهَا
يَأْتِـــــي إِلَـيْــــهَا قَـــبْلَ أُمِّـــهِ.. السَّــــبْـقُ لِلْـ ... صِّهْــرِ وَأُخْتٍ قَـدْ أَبْــلَى بِبَلْوَاهَا
يَأْوِي إِلَــيْــهَا وَزَوْجَــهَا الَّذِي قَدْ أَعَدْ ... دَ فِتْـنَةً حَــاكَ مُــجْــرَاهَا وَمُــرْسَاهَا
يَــهْــرَعْ إِلَيْ هَائِــجًا كَالـثَّــوْرِ مِنْ فَاتِنٍ ... بِالضَّــرْبِ شُــلَّتْ يُــمْـنَاهُ وَيُـــمْنَاهَا
يَـضْـرِبُـــنِي عَنْ حَلِــيبٍ جُـــرْعَةً جُـــــرْعَةً ... لَا طَـــيَّبَ اللهُ مَــثْــوَاهُ وَمَــثْــوَاهَا
اِسْتَمَرَّ الْحَالُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ إِلَى أَنِ اشْتَدَّ عُودِي وَتَشَجَّعْتُ عَلَى وَضْعِ حَدٍّ لِلْمُمَارَسَاتِ العُدْوَانِيَةِ التِي طَالَتْ كَرَامَتِي؛ وَمَا زَالَ الأَثَرُ بَاقِيًا فِي نَفْسِيَتِي إِلَى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا حَتَّى وَأَنَا فِي سِنِّ الْخَمْسِينَ. لَا لِذَنْبٍ سِوَى بِضْعِ رَضَعَاتٍ قُدِّمَتْ لِي وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ عُقُوبَتَهَا لَمَا أَخَذْتُ مِنْهَا وَ لَوِ النَذْرَ الْيَسِيرَ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد جعيجع من الجزائر

الغذ المجهول. بقلم : ذة. لطيفة ناجي المملكة المغربية.




 

الغذ المجهول.
" توقف القطار في محطة كئيبة تبدو عليها علامات الإهمال والقدم. صوت مبحوح تردد على المسامع ، من مكبر صوت :"محطة النعيمة! ". لم يكن على الرصيف القفر سوى عامل عجوز يكنس الأرض من الأتربة والأوراق الميتة التي تراكمت على جنبات السكة الحديدية والموظف المكلف بمراقبة تحركات الآلة الحديدية الضخمة . فُتحت باب المقطورة ، فظهرت امرأة تصفحت بعينيها الرصيف كأنما تبحث عن وجه مألوف، ثم نزلت الدرج الحديدي بتؤدة بالغة. ساعدها شاب على إنزال حقيبة كبيرة وبعض الأغراض الأخرى ثم عاد لتوه إلى القطار . كانت المرأة تحمل، بين ذراعيها، طفلا ملفوفا في غطاء أبيض... شرعت تجر حقيبتها الثقيلة بيدها اليسرى وتبحث عن كرسي قريب، على الرصيف . كانت سيدة في عقدها الثالث ترتدي ثوب الحداد . ففي بلدتها، تلبس الأرملة ملابس بيضاء طيلة أشهر العدة. فلباسها يميزها عن باقي النساء ويحميها من تسلط الرجال وطول لسان النساء. فالمجتمع لا يرحم ولا يقدر الظروف.
إسمها زهراء، شابة في عقدها الثالث، تبدو عليها ملامح الحزن والتعب بسبب السفر المضني :عشر ساعات من السفر والجو الخريفي ثقيل يصعب تحمله في قطار يشكو القدم وكثرة المسافرين: جو خانق، روائح الأكل والسجائر تزكم الأنفاس، وضجيج الشباب وبكاء الأطفال وصراخ الأمهات... سيمفونية الجحيم تسرق النوم من المآقي وتخلق الضجر والكآبة في القلوب.
مسحت دمعة حارقة فرت من مقلتها وهي تتأمل في طفلها الصغير، فرحة عمرها، غنيمة زواج سعيد انتهى بطريقة مريعة. قبل شهرين، توفي زوجها سليم على إثر إصابته بصدمة قلبية وهو يزاول مهامه كمهندس في إحدى الشركات الكبيرة بمدينة البيضاء. حين تلقت الزوجة الشابة الخبر، سقطت مغشيا عليها من أثر الفاجعة. لم يكن لديها عائلة في تلك المدينة المترامية الأطراف. تكبدت المصيبة لوحدها فقام صاحب الشركة بتكاليف المأثم والدفن. كانت جنازة مهيبة . وكتعويض للأرملة وطفلها الرضيع، صرف مدير الشركة لزهراء مبلغا ماليا لمساندتها في تلك الظروف المؤلمة. لكن أخبروها بأنهم مضطرون لاستعادة سيارة الشغل ومنحوها مهلة شهرين لإفراغ البيت الذي لم يعد من حقها بعد وفاة زوجها الذي لم يتمم المدة المتفق عليها في عقد الشغل، لذلك لن تحصل ارملة الفقيد على أي تعويض.
هكذا أصبحت زهراء أرملة بدون منزل. أحيانا ينهال القدر على الإنسان فيأخذ منه كل أسباب سعادته وفرحه. غادرت المدينة الكبيرة وعادت إلى بيت أهلها تجر حقيبتها التي صاحبتها في رحلتها وهي تزف إلى عريسها المهندس سعيد، قبل سنوات، بفستان عرسها الأبيض المزين بالوردي، عاشت معه في هناء وكانت ثمرة ذلك الزواج، سعد، ابنها البالغ من العمر ستة شهور. هاهي اليوم تعود بلباس أبيض، ثوب الحداد وفي قلبها وعينيها سواد يحجب عنها ما تخبئه لها الأقدار والمستقبل.
وهي تنتظر من سيأتي لاستقبالها في المحطة ، بدأت تستعرض شريط حياتها الوردي والذي انتهى بتلك الصدمة التي شرخت سعادتها ويتمت طفلها. هاهي الآن بين يدي المجهول لا تدري ما ستفعله حتى تضمن عيشا هنيا يخول لها إسعاد ابنها وإخراجها من محنتها..."

بقلم : ذة. لطيفة ناجي
المملكة المغربية.



( نهايةٌ متوقّعة ) اياد خضير / العراق

 


( نهايةٌ متوقّعة )

منذُ فترة طويلة ،َ يُغلقُ باب غرفته ونوافذها ويتوغّل في صمت ، تاركاً حباله تلتفُّ حول جسده في عمق ظلام يجعله أسيراً للخوف والرعب ، تظلُّ أنفاسه الساخنة تلامس سطوح الصمت الباردة ، الصمت المنكسرُ في آنية الخوف ،ويحاول الحصول على إغفاءة فوق طاولته العتيقة لكنّه لا يستطيع ، فيحتضنَ لهاث صدره ليسافرَ داخل ليل طويل معتم ، داخل ممرّات تبدأ في نقطة يجهلها في صدره ، يقفُ يصرخ يحسّ بأنَّ صوته يضرب سقف الغرفة يتكسّر في إذنيه كأنّه قرع طبول ، يعاود البكاء ليخففَ من ثقل المعاناة راح بكاؤه يجلجل بشهقات أنثى .
منذ أيّام وهو يشعرُ بشيء كبير ينهارُ في داخلة أكبر من الأسى أو الحاجة إلى البكاء يحطّم صدره ، شبحُ الموت الذي يتجسّد في ذهنه إثر كلّ تفكير يعيده إلى علاقاته السابقة بما حوله ، تحت سماء مثقلة بغيوم الكآبة التي كانت تغفو في داخله ، إنّه إنسان منعزل يجلس داخل غرفته يتناول أحد الكتب المركونة في الزاوية ، كتبٌ تعلوها طبقة من غبار الأيّام ، لم يكن في غرفته سوى هذه الكتب السوداوية لسارتر ، قرأ الجدار فأصبحَ حاجزاً بينه وبين الآخرين حياته كلّها عبث وعزلة أراد أن ينزعَ الجدار من داخله أخذ الجدارُ يرتفع ويرتفع فيمتلئَ رأسه بكلّ أسماء الضجيج ، أصبح أسير رغباته إذ رغب الركض حافياَ أمام أنظار الناس ، أن يكون تحت المطر بكامل ملابسه ، يجول بنظره لكلّ الاتجاهات فيختار مكاناً متوارياً عن الأنظار .
يظلّ يخاطبُ نفسه من أين جاءتْ هذه الرغبات وهذا الانصياع للرغبات ؟ ! لا يدري
هناك شيء يحسُّ به لكنّه لم يستطع التوصّل إليه بعد ، فلا يسعه إلّا أن يأخذ مكانه في غرفته حيث يعود إلى نفسه، تحتويه العزلة التي تنفجرُ في داخله ، لديه أصدقاء كثيرون رحلوا كلّ ما يربطه بما حوله هو شبح يطارده أثناء حركته في الخارج .
أمّا عدم النوم هذه المشكلة الرئيسة التي كانت تشغل ذهنه ، فقد وجد لها حلّاً ، فكان يقضي الليل متجوّلاً كالكلب الضال يعبُّ الخمر ويمضغ اليأسَ والهزيمة يجوب المدينة طولاً وعرضاً حتّى الفجر وعندما يسيطر عليه النعاس يلجأ إلى مسطبة خشبية أو دكّةٍ أسمنتية يستلقي عليها للحصول على غفوة صغيرة ، أصبحتْ الكلابُ السائبة تعرفه ، أحدهم يتأمّله دائماً يجلس قبالته يتلصص بعينيه وهو ينظر إليه طويلاً يشاهد لعابه ينقط على وجه الأرض، يهزُّ ذيله كأنّه يريد التحدّثَ معه فيذهب لسانه الطويل يتأرجح أمامه عندما يشعر بأنّ لهاث الكلب أصبح بطيئاً وإنّ حنكه يفترش الأرض .
يبدأ بمخاطبته أتريدُ أن تأخذَ لحمة طريّة من رجلي أو بطني ؟! اِفعل !
أوهام كانت تختلط في رأسه مع ظلام الليل ، المقيت، الثقيل ،الذي ينقلب ألماً ، فيقف ، ينتفض للتخلّص من المشاعر التي في داخله ، بسماع أغنية للسيدة أم كلثوم ، ممراتٌ أطفأتْ مصابيحها الأيّامُ السود التي لم تشرق فيها شمسٌ منذ زمن بعيد ، لكنّه لايقدر، لم يعد يرغب في التفكير بما حوله أو مجابهة الأشياء إلّا في تلك الدقائق القليلة التي يكون فيها منعزلاً، متوارياً تماماً عن الأنظار..
قــال مرّة لأحد أصدقائه قبل أن يفقده : إلى متى أطارد نفسي ؟!
متى يدقُ الموتُ بابي وأستريح ؟ !
فقط أريدُ أن أعرف لماذا أنا هكذا ؟
لابدّ أن أعرف من أيّة نقطة في داخلي ينبع الظلام ؟
آه .. أيّتها الحياة امنحيني بعض الفرح لأرمّم دواخلي المهشّمة !
ابتسم صديقه قليلاً إنّه يعرف أنّ في داخله خيوط ضياء كثيرة ولكنه فقد دربه إليها ، بسبب تلك الحرّية الإنسانية الوجودية التي تحمِلُ في طياتها بعض أنواع الجنون الذي يؤدي إلى القتل .. إلى الموت هذا الزائر الذي يسمّونه ومضة الانتهاء ، كـان يغضب ، الغضب يقطع خيوط اللهاث في داخله لا يدري كيف تمضي البقية الباقية من عمره ، وضع نفسه في مطبٍّ لا يستطيع الخلاص منه .
يخاطب نفسه ماذا يراد من مقولة ( أنا أفكّر إذن أنا موجود )
إن تفكيري قد توقّف لابدّ أن أنهيَ حياتي ؟!
هذه الحياة البائسة، الراكدة ، المملة ، لابدّ أن أجدَ لها حلّاً.
شاهد جداراً ممتدّاً على شاطئ النهر ، تسلّقه واستقرّ عليه كان جسده ينضحُ ظلاماً يصبّ في نهر الخوف ، هبتْ رياحٌ ساخنة لفحتْ وجهه تطايرَ معها تراب خفيف مع بقايا قشّ يابس .
نظر أسفل الجدار شاهد الجدار يرتفعُ ويرتفع، اِرتبك ،فَقَدَ توازنَهُ راح هاوياً إلى أسفل طالتْ المسافة بين الجدار وهبوطه المستمر، صرخ غير أن أحداً لم يسمع صراخه ، سقط في النهر لوّح بيده لكنّه اختفى ثمّ ظهرَ ثانية ، هرولَ رجالٌ كانوا بمحاذاة الشاطئ وهم يصرخون ويلوّحون بأذرعهم بيأس ، لم يكن باستطاعتهم عمل شيء ينقذه ، فَقدْ اِختفى في النهر الجارف إذ حملته الأمواجُ بعيداً .
اياد خضير / العراق

حديث المساء بقلم /رعد الإمارة /العراق /بغداد

 حديث المساء

كنت قد أنهيتُ واجباتي المدرسية للتو، فكرّتُ بأن اطرد بعض الملل عن ملامح وجهي، ما أن فتحتُ نافذة غرفتي بحثاً عن شيء من نسيم الليل البارد حتى أطلَّ القمر بوجهه المدوّر الشبيه برغيف الخبز البلدي، حقيقة فاجأني الأمر حتى أني تراجعتُ قليلاً للخلف، سمعته يتنحنح قبل أن يقول بصوتٍ ناعمٍ أخاّذ :
_أوه، هل أخافك ظهوري المفاجئ؟ كان بودي الانحناء أسفاً لذلك، لكن حتماً تعرفين القمر لاينحني قط ! أنه فقط يبتسم هكذا. مددتُ رأسي وشعرتُ بوجنتيّ تتوردان، كانت أبتسامة القمر من أجمل مايكون، قال :
_كنت قريباً من هنا، حين جَذب انتباهي منظر وَجهكِ الوسيم وهو يطلُّ من خلال النافذة، فكرتُ بأن القي سلاماً قمرياً فحسب. قلت وأنا اضمُّ يديّ إلى صدري :
_غرامكم لاينتهي أنت والشمس النبيلة، أنظر لقد كَستْ جسدك كلّه بنورٍ وهاّج. تراجع القمر للخلف وكأن أفعى لدغتْ وجنته المحمرة ، قطبَ حاجبيه وقال :
_وما شأن حديثنا بالشمس، أنه أنا من يطلُّ عليكِ بكل عذوبة، أم أنكِ تريدين الشمس لتشوي ملامحك الطرية هذه . ابتلعتُ ريقي، كان القمر يبدو غاضباً، أخذ يرمقني بطرف عينه، لم أفهم بماذا كان يتمتم، أشارَ بأصبعه نحو شهاب كان يلمع قبل أن يتوهج وهو في طريقه للسقوط، قال :
_انظري جيداً، هل رأيتٍ كيف تهوي النجوم، برغم لمعانها ليست سوى حجارة سوداء متفحمة، أما أنا - ضربَ بيده على صدره- فوجودي أبدي حتى قيام الساعة . كدتُ أقول له، أنت أيضاً جانبك مُعتم، بل كلك مُعتم لولا فضل الشمس عليك بنورها، كلماتي لم تتجاوز سقف حلقي، القمر بدا ضخماً وهو يهزُّ كتفيه أمامي، اخافني منظره المنير، كان قاسياً برغم جماله الأخّاذ. كان نجم سهيل في طريقه صوب مكانه الأثير حين ناداه القمر، قال :
_تعال ياصديقي ، اقتربْ هنا. دنا النجم الخجول ، كان بهياً وهو يقف غير بعيد عن القمر، قال هذا الأخير وهو يضع يده الضخمة المضيئة حول كتف النجم المرتبك :
_خبرني يا عزيزي عن الليل وسحره، هل كان سيصبح كذلك لولا وجودي وبعض النجوم المتناثرة حولي؟. قال نجم سهيل الشاب ووجهه يكاد يتضرّجُ احمرارا :
_نعم سيدي فعلاً، فأنت سلطان الليل بدون منازع، أنا ورفاقي النجوم نكاد نحسدك على شدة جمالك الباهر. أخذ القمر يضحك وقد انتفختْ أوداجه، راح يهزُّ رأسه، لكنه فجأة كفَّ عن ذلك والتفت صوب نجم سهيل وقال له :
_تصوّر يا صديقي، أن هذه البنت - أشار صوبي - تقارن بيني وبين الشمس، تقول بما معناه أنها الكل في الكل. بدا نجم سهيل شاحباً وهو ينظر لي محدقاً، وكأنه يقول :
_ما هذه الورطة يافتاة، ألم تجدي غير القمر لتغضبيه. خيّمَ صمت لم يستغرق سوى لحظات، أدار يده المضيئة القمر، حول نجم سهيل المرتبك وقال :
_لاتخجل من قول الحق يا عزيزي، لكن بربّك هل تستطيع النظر في وجه الشمس كما تفعل معي، هل بوسعك الاقتراب هكذا منها؟ كل شيء في هذا الكون يهرب منها، كل شيء، حتى هذه البنت اللطيفة. استدار صوبي وواصل قوله :
_هل بوسعك الصمود في وجه الشمس؟. لم أستطع سوى أن أهزَّ رأسي، وجدته عنيداً، لكن كان في منطقه بعض الصواب، أشرق وجهي كدت أقول أنتَ الأفضل، حين قطع خلوتنا صوتٌ عميقٌ وقوي، كان الصوت هادراً حتى أن القمر ارتدَّ للخلف وهو يهتز، أخذ نجم سهيل يتراجع للخلف وقد اكتستْ ملامح وجهه بالذعر، قال :
_أنها الشمس، أعرف صوتها الهادر، لكن سيدي القمر كيف حدث الأمر، هي تشرق في النهار، ونحن كما ترى في الليل!؟ . قَطعتُ الصمت الذي خيّمَ للحظات، قلتُ بصوتٍ متردّد :
_الشمس لاتغيب، هي فقط تذهب لمكان آخر، تشرق هناك وتبث الدفء، بوسعها أن تسمع كل شيء . تنهد القمر، قال وهو يتراجع للخلف ويعلو صوب كبد السماء :
_أظنُّ معركتي خاسرة مع الشمس، كيف سَولتْ لي نفسي العبث ولو للحظة بنظام الكون؟ طيب يابنت وداعاً، كان الحديث لطيفاً معك. أغلقتُ النافذة، رحت أكلّمُ نفسي:
_يا إلهي، من يصدق ان القمر كان هنا، اوه، مازلت أرجف من هول الموقف، ربما لو نمتُ سيختفي كل ذلك، طيب سأجربْ. (تمت)
بقلم /رعد الإمارة /العراق /بغداد

مشاركات الأعضاء

قدر العرب للشاعر متولي بصل

    قدْرَ العربْ متولي بصل مصر *** غدا يعرفُ الناسُ قدْرَ العربْ وأنَّ العروبةَ  مثل الذهبْ وأنَّ البلاءَ على قدْرِها عظيمٌ وكمْ منْ بلاءٍ ح...

المشاركات الشائعة