Translate

السبت، 8 يناير 2022

لعبة الأصول صلاح نبيل مصر


 لعبة الأصول

الأحداث تدور في رأسي مع بزوغ كل فجر، أطل علينا لآخر مرة ببطنه البارز ووجهه المفلطح مهددًا، إنه معلم اللغة العربية، ممشوق القامة بلسانه الفصيح ولكناته العجيبة، كان رافضاً لقب الأستاذ، معتزًا بمناداته بالشيخ، زعم أن الجميع لا يفقهون شيئًا سواه، ورث علوم اللغة من أوراق أثرية نادرة بمكتبة جده، لقد احتل الفرنسيون في حملتهم ديار أجداده وسلبوها بعض أصولها كأنهم موصين بها، حاول معنا جاهدًا إتقان اللغة؛ إلا أنه خاب ظنه فينا، لسنا من الهواة شيخنا ولكنا باعة متجولون للعلوم والمعارف، ما أن ننجح إلا وننس اليوم ما حفظناه أمس، أعاد على مسامعنا لفظ هوية، قومية ولفظ الأصول عدة مرات، لم نبال بالأمر حتى أذكى طالب في دفعتنا والذي وصل الوزارة لاحقاً لم يكترث، ضارباً يده بالجدار، لقد انتهت رسالتي، إذن فضعتم والزوال قريب.
وقع على الأرض ملتصقاً بها، باكياً، صاح بصوت جهوري، لن تعودوا وكررها مرارًا، لم نسمع عنه بعدها، لم نعد نهتم لأمره، ولا ندر هل انشقت الأرض وابتلعته؟، ذاع صيته مؤخرًا فجأة، لم ندر أحي أم ميت، ولكن هذا اسمه يملأ الفضائيات وشبكات الإنترنت، وسط مناداة المجمعات اللغوية العربية استرداد مخطوطاته الأثرية التي بيعت في مزاد إلكتروني لمستشرفين إنجليز باحثين عن العربية وعلومها.
صلاح نبيل
مصر

مخاض...... نجوي حسيب مصر

 مخاض......

داهمتها آلام المخاض، تحسست بطنها المتحجرة، وامسكت المنديل تجفف العرق المتصبب على جبينها .
أمسكت هاتفها بصعوبة ترن لا مٌجيب للمرة العاشرة.
سال مائها على الأرض،ترتعش قدماها ،تصرخ صرخة مدوية عالية،
اندفع جنينها خارجًا إلى الحياة مخضبًا بالدماء، سقط على الأرض لم يحرك ساكنًا،
تبعته عيناها المجهدتان، اندفعت دموعها على خديها الشاحبين، جثت على ركبتيها تلتقط الوليد،
احتضنته ودلكت صدره وظهره برفق، مازال الحبل السري مربوط بينهما،
سمعت صوت انفاسه وبكاء ضعيف،
نظرت حولها انتزعت مفرش على مائدة قريبة لفته بها، تنتظر أن يرتفع صوته معلنًا الحياة، سمعت مفتاح الباب يعلن وصول زوجها، صرخت
تناديه، اندفع نحوها.
أصابه الذهول من مشهد الدماء واحتضانها لوليدها.
في اليوم التالي كانت تجلس في سريرها تحتضن طفلها وتلتهم الطعام الذي يقدمه لها وهو يداعبها بطلتي......
نجوي حسيب
مصر

ضباب الزهرة الصالح/المغرب

 

ضباب
أمطرت بعد اشتياق!..أحب رائحة التراب المبلل والمشي تحت المطر، جبت كل الطرقات المجاورة، الجو يغريني كي أبتعد، لاحت أمامي مجموعة من الناس مكومة في دائرة أمام مركز الشرطة..وأنا أقترب، بدأت أسمع لحنا جميلا:
_ هذا اللحن سمعته من قبل، ولكن أين؟ ومتى؟!..
كانت تجلس على الطوار، سيدة تناهز الستين سنة..ملابسها الملتصقة بجسدها وشعرها الذي تكاد تعد خصلاته، توحي بأنها مكثت تحت المطر طويلا..لقد كانت تغني!.لا! بل تعدد:
_"يا ربي سبدي آش عملت أنا ووليدي!.. ربيتو بيدي وداتو بنت الرومية، ولدي أنا..."
أحفظ هذه الكلمات عن ظهر قلب..كانت نساء البادية في المواسم والأعياد يجتمعن في منزل إحداهن، فيساعدنها في التنظيف وصنع الحلوى في جو من المرح والفرح، يحكين عن أنفسهن، أزواجهن، وأبنائهن في الغربة، وفجأة تستسلم إحداهن للبكاء وكأنها تثير الأخريات فيبدأن في ترديد هذه الكلمات ويصاحبنها بالدموع...
وضعت يدي على كتفها:
_ سيدتي، احتمي من المطر، سوف تمرضين!
لم تجب ولم تحرك ساكنا.. الناس من حولها كل يتمتم بما يصوره له فكره؛ فيظهر ضابط الشرطة ويناديها..تمسك بيدي وتنظر إلي باستعطاف كي أرافقها للداخل..يسألني الشرطي من أكون، فتجيب هي:
_ قرببتي.
_ اجلسا هنا!.. ويشير إلى كرسيين خشبيين في الباحة العريضة التي تتوسط المكاتب.
أجلس بجانبها مستغربة، كيف يسمح لي بمرافقتها إلى الداخل!..أنظر إليها فأحس أنها بدأت تستجمع قواها.. تطلب مني ألا أرحل حتى ينتهي استجوابها؛ فأومئ لها بالموافقة!.
وكأنها تقرأ مايجول بخاطري، تسترسل:
- يطاردني هؤلاء الأوغاد منذ أسبوع، يتبعون خطاي أينما ذهبت، يأتون إلى بيتي دون سابق إنذار، فيبدأ العميد في الشتم والسب، بينما يقلب الضباط البيت أسفله على أعلاه وأنا أنظر خائفة مرعوبة من دون حراك..عندما لا يجدون مايبحثون عنه، يأتون بي إلى المركز، وهنا توضع نفس الأسئلة وأجيب أنا بنفس الأجوبة.
_ وماذا يريدون بالتحديد؟
_ يطرحون أسئلتهم المعتادة "من أين لك هذا؟" ويبحثون عن دليل يوصلهم إلى ابني القاطن بالخارج والمتزوج من امرأة (رومية ) أوروبية، ( تبتسم ابتسامة ساخرة) والذي لا أعرف عنه شيئا منذ أربع سنوات! حين ينتهى الاستجواب، أجر رجلي في تعب ووهن.. في الخارج أسمع همهمات العسس: "إنه إرهابي! لا بل تاجر مخدرات! أظن أن له يد في مقتل فلان..." وهكذا أعيش في كابوس لا أدري متى سينتهي؟ ولا كيف؟!
أربت على يدها، فتتنهد تنهيدة عميقة.
يسود الصمت، إلا من حركة الموظفين المتنقلين من مكتب إلى آخر.
الدقائق تمر ببطء، والجو رغم برودته يزيد اختناقا..يتضامن الخوف والبرد ليصيبا جسدها برعشة قوية..
أخيرا يظهر الضابط:
_ يمكنك الرحيل، ولا أريد أن أراك هنا ثانية (يقولها بنبرة حادة وكأنها متهمة)
تقبض على ذراعي بيدها المرتعشة وتحاول النهوض لكنها لا تستطيع..تنظر إليه بعينيها المرعوبتين، وبصوت مبحوح خافت:
_ و والاستجواب!.. وابني!.. وجدتم...؟
_ كان مجرد تشابه أسماء!
الزهرة الصالح/المغرب

الجَلَّادُ والرَّضِيعُ محمد جعيجع من الجزائر

 


الجَلَّادُ والرَّضِيعُ 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذَاتَ رَبِيعٍ دَفَعَتْ بِيَّ الأَقْدَارُ إِلَى دَارٍ مُغْمَضَ العَيْنَيْنِ بِصَرْخَةٍ مَنَحَتْ لِيَّ الحَيَاةَ بَعْدَ أَنِ اقْتَرَفْتُ أَوَّلَ الذُّنُوبِ الَّتِي لَا أُحَاسَبُ عَنْهَا مُسَبِّبًا آلَامًا كَبِيرَةً لِمَنْ حَمَلَتْنِي كُرْهًا وَوَضَعَتْنِي كُرْهًا؛ وَلَمْ أَكُنْ أَعْلَمُ أَنَّهُ مَخَاضٌ عَسِيرٌ لَكِنَّهَا مَشِيئَةُ مَنْ يَقُلْ لِلشَّيْءِ: "كُنْ فَيَكُونُ" بِإِذْنِهِ...
جَارَتُنَا رَزَقَهَا اللهُ بِتَوْأَمٍ ذَكَرٍ وَلَيْسَتْ لَهَا الْقُدْرَةُ عَلَى إِرْضَاعِهِمَا مَعًا، فَكَانَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يُشَارِكُنِي أَحَدُهُمَا طَعَامِي. لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَيَّامَهَا حَلِيبٌ مُعَلَّبٌ بَلْ مَصْدَرٌ طَبِيعِيٌّ فَحَسْبُ؛ وَقِيلَ لِي بِأَنَّهُ أَرْضَعَتْنِي أَرْبَعُ نِسْوَةٍ مِنْ بَيْنِهِنَّ أُخْتِي رُفْقَةَ مَوْلُودِهَا بِالإِضَافَةِ إِلَى وَالِدَتِي...
وَلَمْ أَكُنْ أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَأْتِي عَلَيَّ يَوْمٌ أُسَدِّدُ فِيهِ حُقُوقَ الرَّضَعَاتِ بِجَلَدَاتٍ يَكُونُ فِيهَا الجَلَّادُ صِهْرِي وَالمِجْلَادُ أَخِي الَّذِي كَانَ عِنْدَ عَودَتِهِ مِنْ سَفَرٍ مُتَعَلِقٍ بِالدِّرَاسَةِ يَبْدَأُ بِزِيَارَةِ أُخْتِهِ وَزَوْجِهَا قَبْلَ رُؤْيَةِ وَالِدَتِهِ. الصِّهْرُ الّذِي يَشْحَذُهُ ضِدِّي فَيُسْرِعُ إِلَيَّ بِالشَّتْمِ وَالتَّقْبِيحِ وَالضَّرْبِ دُونَ سَبَبٍ يَذْكُرُهُ؛ يَأْتِي كَثَوْرٍ هَائِجٍ حَمَلْتَ فِي وَجْهِهِ خِرْقَةَ قُمَاشٍ حَمْرَاءُ تُثِيرُ بِلَوْنِهَا غَضَبَ الثِّيرَانِ...
أَرْضَعْتِنِي لَيْتَنِي مَا كُنْتُ أَرْضَاهَا ... تُرْضِعْ وَقَدْ حَيَّرَ الشَّيْطَانَ مَسْعَاهَا
تُرْضِعُنِي وَابْنَهَا وَالبَعْلُ قَدْ حَازَ لِي .... حِقْدًا دَفِينًا قَدْ صَاحَبَ ثَـدْيَاهَا
رَضَــعْتُهَا مُـكْرَهًا وَالأَمْـرُ مَا كَانَ لِي ... أَرْعَى وَقَدْ سَـمَّـمَ الإِحْـقَادُ مَرْعَاهَا
تَـنْظُرْ وَقَـدْ أَحْـضَرَ الجَـلَّادُ مِــجْلَادَ ظُلْـ ... مٍ وَاحِدًا مِــنْ إِخْـوَتِي فَأَرْضَاهَا
يَجْلِدُنِي عَنْ مَاضٍ لَمْ يَكُنْ رَغْبَةً ... مِنِّي وَلَا رَحْمَةً لِي مِنْهُ أَلْقَاهَا
يَمْــضِي إِلَى بَيْــتِهَا مِنْ سَــفَرٍ مُسْرِعًا ... بِالشَّوْقِ بِالطَّاعَةِ العَمْيَاءِ يَلْقَاهَا
يَأْتِـــــي إِلَـيْــــهَا قَـــبْلَ أُمِّـــهِ.. السَّــــبْـقُ لِلْـ ... صِّهْــرِ وَأُخْتٍ قَـدْ أَبْــلَى بِبَلْوَاهَا
يَأْوِي إِلَــيْــهَا وَزَوْجَــهَا الَّذِي قَدْ أَعَدْ ... دَ فِتْـنَةً حَــاكَ مُــجْــرَاهَا وَمُــرْسَاهَا
يَــهْــرَعْ إِلَيْ هَائِــجًا كَالـثَّــوْرِ مِنْ فَاتِنٍ ... بِالضَّــرْبِ شُــلَّتْ يُــمْـنَاهُ وَيُـــمْنَاهَا
يَـضْـرِبُـــنِي عَنْ حَلِــيبٍ جُـــرْعَةً جُـــــرْعَةً ... لَا طَـــيَّبَ اللهُ مَــثْــوَاهُ وَمَــثْــوَاهَا
اِسْتَمَرَّ الْحَالُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ إِلَى أَنِ اشْتَدَّ عُودِي وَتَشَجَّعْتُ عَلَى وَضْعِ حَدٍّ لِلْمُمَارَسَاتِ العُدْوَانِيَةِ التِي طَالَتْ كَرَامَتِي؛ وَمَا زَالَ الأَثَرُ بَاقِيًا فِي نَفْسِيَتِي إِلَى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا حَتَّى وَأَنَا فِي سِنِّ الْخَمْسِينَ. لَا لِذَنْبٍ سِوَى بِضْعِ رَضَعَاتٍ قُدِّمَتْ لِي وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ عُقُوبَتَهَا لَمَا أَخَذْتُ مِنْهَا وَ لَوِ النَذْرَ الْيَسِيرَ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد جعيجع من الجزائر

الغذ المجهول. بقلم : ذة. لطيفة ناجي المملكة المغربية.




 

الغذ المجهول.
" توقف القطار في محطة كئيبة تبدو عليها علامات الإهمال والقدم. صوت مبحوح تردد على المسامع ، من مكبر صوت :"محطة النعيمة! ". لم يكن على الرصيف القفر سوى عامل عجوز يكنس الأرض من الأتربة والأوراق الميتة التي تراكمت على جنبات السكة الحديدية والموظف المكلف بمراقبة تحركات الآلة الحديدية الضخمة . فُتحت باب المقطورة ، فظهرت امرأة تصفحت بعينيها الرصيف كأنما تبحث عن وجه مألوف، ثم نزلت الدرج الحديدي بتؤدة بالغة. ساعدها شاب على إنزال حقيبة كبيرة وبعض الأغراض الأخرى ثم عاد لتوه إلى القطار . كانت المرأة تحمل، بين ذراعيها، طفلا ملفوفا في غطاء أبيض... شرعت تجر حقيبتها الثقيلة بيدها اليسرى وتبحث عن كرسي قريب، على الرصيف . كانت سيدة في عقدها الثالث ترتدي ثوب الحداد . ففي بلدتها، تلبس الأرملة ملابس بيضاء طيلة أشهر العدة. فلباسها يميزها عن باقي النساء ويحميها من تسلط الرجال وطول لسان النساء. فالمجتمع لا يرحم ولا يقدر الظروف.
إسمها زهراء، شابة في عقدها الثالث، تبدو عليها ملامح الحزن والتعب بسبب السفر المضني :عشر ساعات من السفر والجو الخريفي ثقيل يصعب تحمله في قطار يشكو القدم وكثرة المسافرين: جو خانق، روائح الأكل والسجائر تزكم الأنفاس، وضجيج الشباب وبكاء الأطفال وصراخ الأمهات... سيمفونية الجحيم تسرق النوم من المآقي وتخلق الضجر والكآبة في القلوب.
مسحت دمعة حارقة فرت من مقلتها وهي تتأمل في طفلها الصغير، فرحة عمرها، غنيمة زواج سعيد انتهى بطريقة مريعة. قبل شهرين، توفي زوجها سليم على إثر إصابته بصدمة قلبية وهو يزاول مهامه كمهندس في إحدى الشركات الكبيرة بمدينة البيضاء. حين تلقت الزوجة الشابة الخبر، سقطت مغشيا عليها من أثر الفاجعة. لم يكن لديها عائلة في تلك المدينة المترامية الأطراف. تكبدت المصيبة لوحدها فقام صاحب الشركة بتكاليف المأثم والدفن. كانت جنازة مهيبة . وكتعويض للأرملة وطفلها الرضيع، صرف مدير الشركة لزهراء مبلغا ماليا لمساندتها في تلك الظروف المؤلمة. لكن أخبروها بأنهم مضطرون لاستعادة سيارة الشغل ومنحوها مهلة شهرين لإفراغ البيت الذي لم يعد من حقها بعد وفاة زوجها الذي لم يتمم المدة المتفق عليها في عقد الشغل، لذلك لن تحصل ارملة الفقيد على أي تعويض.
هكذا أصبحت زهراء أرملة بدون منزل. أحيانا ينهال القدر على الإنسان فيأخذ منه كل أسباب سعادته وفرحه. غادرت المدينة الكبيرة وعادت إلى بيت أهلها تجر حقيبتها التي صاحبتها في رحلتها وهي تزف إلى عريسها المهندس سعيد، قبل سنوات، بفستان عرسها الأبيض المزين بالوردي، عاشت معه في هناء وكانت ثمرة ذلك الزواج، سعد، ابنها البالغ من العمر ستة شهور. هاهي اليوم تعود بلباس أبيض، ثوب الحداد وفي قلبها وعينيها سواد يحجب عنها ما تخبئه لها الأقدار والمستقبل.
وهي تنتظر من سيأتي لاستقبالها في المحطة ، بدأت تستعرض شريط حياتها الوردي والذي انتهى بتلك الصدمة التي شرخت سعادتها ويتمت طفلها. هاهي الآن بين يدي المجهول لا تدري ما ستفعله حتى تضمن عيشا هنيا يخول لها إسعاد ابنها وإخراجها من محنتها..."

بقلم : ذة. لطيفة ناجي
المملكة المغربية.



( نهايةٌ متوقّعة ) اياد خضير / العراق

 


( نهايةٌ متوقّعة )

منذُ فترة طويلة ،َ يُغلقُ باب غرفته ونوافذها ويتوغّل في صمت ، تاركاً حباله تلتفُّ حول جسده في عمق ظلام يجعله أسيراً للخوف والرعب ، تظلُّ أنفاسه الساخنة تلامس سطوح الصمت الباردة ، الصمت المنكسرُ في آنية الخوف ،ويحاول الحصول على إغفاءة فوق طاولته العتيقة لكنّه لا يستطيع ، فيحتضنَ لهاث صدره ليسافرَ داخل ليل طويل معتم ، داخل ممرّات تبدأ في نقطة يجهلها في صدره ، يقفُ يصرخ يحسّ بأنَّ صوته يضرب سقف الغرفة يتكسّر في إذنيه كأنّه قرع طبول ، يعاود البكاء ليخففَ من ثقل المعاناة راح بكاؤه يجلجل بشهقات أنثى .
منذ أيّام وهو يشعرُ بشيء كبير ينهارُ في داخلة أكبر من الأسى أو الحاجة إلى البكاء يحطّم صدره ، شبحُ الموت الذي يتجسّد في ذهنه إثر كلّ تفكير يعيده إلى علاقاته السابقة بما حوله ، تحت سماء مثقلة بغيوم الكآبة التي كانت تغفو في داخله ، إنّه إنسان منعزل يجلس داخل غرفته يتناول أحد الكتب المركونة في الزاوية ، كتبٌ تعلوها طبقة من غبار الأيّام ، لم يكن في غرفته سوى هذه الكتب السوداوية لسارتر ، قرأ الجدار فأصبحَ حاجزاً بينه وبين الآخرين حياته كلّها عبث وعزلة أراد أن ينزعَ الجدار من داخله أخذ الجدارُ يرتفع ويرتفع فيمتلئَ رأسه بكلّ أسماء الضجيج ، أصبح أسير رغباته إذ رغب الركض حافياَ أمام أنظار الناس ، أن يكون تحت المطر بكامل ملابسه ، يجول بنظره لكلّ الاتجاهات فيختار مكاناً متوارياً عن الأنظار .
يظلّ يخاطبُ نفسه من أين جاءتْ هذه الرغبات وهذا الانصياع للرغبات ؟ ! لا يدري
هناك شيء يحسُّ به لكنّه لم يستطع التوصّل إليه بعد ، فلا يسعه إلّا أن يأخذ مكانه في غرفته حيث يعود إلى نفسه، تحتويه العزلة التي تنفجرُ في داخله ، لديه أصدقاء كثيرون رحلوا كلّ ما يربطه بما حوله هو شبح يطارده أثناء حركته في الخارج .
أمّا عدم النوم هذه المشكلة الرئيسة التي كانت تشغل ذهنه ، فقد وجد لها حلّاً ، فكان يقضي الليل متجوّلاً كالكلب الضال يعبُّ الخمر ويمضغ اليأسَ والهزيمة يجوب المدينة طولاً وعرضاً حتّى الفجر وعندما يسيطر عليه النعاس يلجأ إلى مسطبة خشبية أو دكّةٍ أسمنتية يستلقي عليها للحصول على غفوة صغيرة ، أصبحتْ الكلابُ السائبة تعرفه ، أحدهم يتأمّله دائماً يجلس قبالته يتلصص بعينيه وهو ينظر إليه طويلاً يشاهد لعابه ينقط على وجه الأرض، يهزُّ ذيله كأنّه يريد التحدّثَ معه فيذهب لسانه الطويل يتأرجح أمامه عندما يشعر بأنّ لهاث الكلب أصبح بطيئاً وإنّ حنكه يفترش الأرض .
يبدأ بمخاطبته أتريدُ أن تأخذَ لحمة طريّة من رجلي أو بطني ؟! اِفعل !
أوهام كانت تختلط في رأسه مع ظلام الليل ، المقيت، الثقيل ،الذي ينقلب ألماً ، فيقف ، ينتفض للتخلّص من المشاعر التي في داخله ، بسماع أغنية للسيدة أم كلثوم ، ممراتٌ أطفأتْ مصابيحها الأيّامُ السود التي لم تشرق فيها شمسٌ منذ زمن بعيد ، لكنّه لايقدر، لم يعد يرغب في التفكير بما حوله أو مجابهة الأشياء إلّا في تلك الدقائق القليلة التي يكون فيها منعزلاً، متوارياً تماماً عن الأنظار..
قــال مرّة لأحد أصدقائه قبل أن يفقده : إلى متى أطارد نفسي ؟!
متى يدقُ الموتُ بابي وأستريح ؟ !
فقط أريدُ أن أعرف لماذا أنا هكذا ؟
لابدّ أن أعرف من أيّة نقطة في داخلي ينبع الظلام ؟
آه .. أيّتها الحياة امنحيني بعض الفرح لأرمّم دواخلي المهشّمة !
ابتسم صديقه قليلاً إنّه يعرف أنّ في داخله خيوط ضياء كثيرة ولكنه فقد دربه إليها ، بسبب تلك الحرّية الإنسانية الوجودية التي تحمِلُ في طياتها بعض أنواع الجنون الذي يؤدي إلى القتل .. إلى الموت هذا الزائر الذي يسمّونه ومضة الانتهاء ، كـان يغضب ، الغضب يقطع خيوط اللهاث في داخله لا يدري كيف تمضي البقية الباقية من عمره ، وضع نفسه في مطبٍّ لا يستطيع الخلاص منه .
يخاطب نفسه ماذا يراد من مقولة ( أنا أفكّر إذن أنا موجود )
إن تفكيري قد توقّف لابدّ أن أنهيَ حياتي ؟!
هذه الحياة البائسة، الراكدة ، المملة ، لابدّ أن أجدَ لها حلّاً.
شاهد جداراً ممتدّاً على شاطئ النهر ، تسلّقه واستقرّ عليه كان جسده ينضحُ ظلاماً يصبّ في نهر الخوف ، هبتْ رياحٌ ساخنة لفحتْ وجهه تطايرَ معها تراب خفيف مع بقايا قشّ يابس .
نظر أسفل الجدار شاهد الجدار يرتفعُ ويرتفع، اِرتبك ،فَقَدَ توازنَهُ راح هاوياً إلى أسفل طالتْ المسافة بين الجدار وهبوطه المستمر، صرخ غير أن أحداً لم يسمع صراخه ، سقط في النهر لوّح بيده لكنّه اختفى ثمّ ظهرَ ثانية ، هرولَ رجالٌ كانوا بمحاذاة الشاطئ وهم يصرخون ويلوّحون بأذرعهم بيأس ، لم يكن باستطاعتهم عمل شيء ينقذه ، فَقدْ اِختفى في النهر الجارف إذ حملته الأمواجُ بعيداً .
اياد خضير / العراق

حديث المساء بقلم /رعد الإمارة /العراق /بغداد

 حديث المساء

كنت قد أنهيتُ واجباتي المدرسية للتو، فكرّتُ بأن اطرد بعض الملل عن ملامح وجهي، ما أن فتحتُ نافذة غرفتي بحثاً عن شيء من نسيم الليل البارد حتى أطلَّ القمر بوجهه المدوّر الشبيه برغيف الخبز البلدي، حقيقة فاجأني الأمر حتى أني تراجعتُ قليلاً للخلف، سمعته يتنحنح قبل أن يقول بصوتٍ ناعمٍ أخاّذ :
_أوه، هل أخافك ظهوري المفاجئ؟ كان بودي الانحناء أسفاً لذلك، لكن حتماً تعرفين القمر لاينحني قط ! أنه فقط يبتسم هكذا. مددتُ رأسي وشعرتُ بوجنتيّ تتوردان، كانت أبتسامة القمر من أجمل مايكون، قال :
_كنت قريباً من هنا، حين جَذب انتباهي منظر وَجهكِ الوسيم وهو يطلُّ من خلال النافذة، فكرتُ بأن القي سلاماً قمرياً فحسب. قلت وأنا اضمُّ يديّ إلى صدري :
_غرامكم لاينتهي أنت والشمس النبيلة، أنظر لقد كَستْ جسدك كلّه بنورٍ وهاّج. تراجع القمر للخلف وكأن أفعى لدغتْ وجنته المحمرة ، قطبَ حاجبيه وقال :
_وما شأن حديثنا بالشمس، أنه أنا من يطلُّ عليكِ بكل عذوبة، أم أنكِ تريدين الشمس لتشوي ملامحك الطرية هذه . ابتلعتُ ريقي، كان القمر يبدو غاضباً، أخذ يرمقني بطرف عينه، لم أفهم بماذا كان يتمتم، أشارَ بأصبعه نحو شهاب كان يلمع قبل أن يتوهج وهو في طريقه للسقوط، قال :
_انظري جيداً، هل رأيتٍ كيف تهوي النجوم، برغم لمعانها ليست سوى حجارة سوداء متفحمة، أما أنا - ضربَ بيده على صدره- فوجودي أبدي حتى قيام الساعة . كدتُ أقول له، أنت أيضاً جانبك مُعتم، بل كلك مُعتم لولا فضل الشمس عليك بنورها، كلماتي لم تتجاوز سقف حلقي، القمر بدا ضخماً وهو يهزُّ كتفيه أمامي، اخافني منظره المنير، كان قاسياً برغم جماله الأخّاذ. كان نجم سهيل في طريقه صوب مكانه الأثير حين ناداه القمر، قال :
_تعال ياصديقي ، اقتربْ هنا. دنا النجم الخجول ، كان بهياً وهو يقف غير بعيد عن القمر، قال هذا الأخير وهو يضع يده الضخمة المضيئة حول كتف النجم المرتبك :
_خبرني يا عزيزي عن الليل وسحره، هل كان سيصبح كذلك لولا وجودي وبعض النجوم المتناثرة حولي؟. قال نجم سهيل الشاب ووجهه يكاد يتضرّجُ احمرارا :
_نعم سيدي فعلاً، فأنت سلطان الليل بدون منازع، أنا ورفاقي النجوم نكاد نحسدك على شدة جمالك الباهر. أخذ القمر يضحك وقد انتفختْ أوداجه، راح يهزُّ رأسه، لكنه فجأة كفَّ عن ذلك والتفت صوب نجم سهيل وقال له :
_تصوّر يا صديقي، أن هذه البنت - أشار صوبي - تقارن بيني وبين الشمس، تقول بما معناه أنها الكل في الكل. بدا نجم سهيل شاحباً وهو ينظر لي محدقاً، وكأنه يقول :
_ما هذه الورطة يافتاة، ألم تجدي غير القمر لتغضبيه. خيّمَ صمت لم يستغرق سوى لحظات، أدار يده المضيئة القمر، حول نجم سهيل المرتبك وقال :
_لاتخجل من قول الحق يا عزيزي، لكن بربّك هل تستطيع النظر في وجه الشمس كما تفعل معي، هل بوسعك الاقتراب هكذا منها؟ كل شيء في هذا الكون يهرب منها، كل شيء، حتى هذه البنت اللطيفة. استدار صوبي وواصل قوله :
_هل بوسعك الصمود في وجه الشمس؟. لم أستطع سوى أن أهزَّ رأسي، وجدته عنيداً، لكن كان في منطقه بعض الصواب، أشرق وجهي كدت أقول أنتَ الأفضل، حين قطع خلوتنا صوتٌ عميقٌ وقوي، كان الصوت هادراً حتى أن القمر ارتدَّ للخلف وهو يهتز، أخذ نجم سهيل يتراجع للخلف وقد اكتستْ ملامح وجهه بالذعر، قال :
_أنها الشمس، أعرف صوتها الهادر، لكن سيدي القمر كيف حدث الأمر، هي تشرق في النهار، ونحن كما ترى في الليل!؟ . قَطعتُ الصمت الذي خيّمَ للحظات، قلتُ بصوتٍ متردّد :
_الشمس لاتغيب، هي فقط تذهب لمكان آخر، تشرق هناك وتبث الدفء، بوسعها أن تسمع كل شيء . تنهد القمر، قال وهو يتراجع للخلف ويعلو صوب كبد السماء :
_أظنُّ معركتي خاسرة مع الشمس، كيف سَولتْ لي نفسي العبث ولو للحظة بنظام الكون؟ طيب يابنت وداعاً، كان الحديث لطيفاً معك. أغلقتُ النافذة، رحت أكلّمُ نفسي:
_يا إلهي، من يصدق ان القمر كان هنا، اوه، مازلت أرجف من هول الموقف، ربما لو نمتُ سيختفي كل ذلك، طيب سأجربْ. (تمت)
بقلم /رعد الإمارة /العراق /بغداد

الجمعة، 7 يناير 2022

الرحيل.. ريم محمد سورية

 الرحيل..

بعينين غائرتين وشفاه جافة متهدجة...
تلعثمت فيها الحروف قبل أن تلفظها ...
أعلنت الوداع...
عاشت حياتها كلها مودعة...
ودعت زوجها، أصدقائها ، معارفها، ...
واليوم ، المسكينة تودع فلذة كبدها...
- مع السلامة ياحبيب أمك- قالتها بحرقة عانقت عمق عمق الروح لتلفظها حروفا مستسلمة ومتشبعة بالدموع والآهات...
كسرت ضهري يا ابني...
هذه آخر جملة قالتها قبل أن تعود ادراجها لبيتها بعد أن دفنت أخر مقتنياتها الثمينة تحت الأرض...
مسكينة أنت يافوزية، لم يتبقَ لك أحد كنت امسك بيدها وانا اقودها لمنزلها، اية قوة وصلابة تمتلكها هذه المرأة ياترى ؟!
منذ عرفتها وأنا أشاهد الأحزان تتعاقب كالفصول على باب منزلها ولم أسمعها مرة واحدة تشتكي...
قوية انت يافوزية صلبة كصخور قريتنا...
وصامدة كالسنديانة التي في الساحة...
نظرت لوجهها المتشابك كصفحة ارضنا التي حرثت للتو، سمراء وناعمة...
عاجلتني بالقول هاقد وصلنا ياصفية، تفضلي يا ابنتي، ...
آخ ياخالة ، في عمق حزنك ويستحضرك الكرم والواجب، سأدخل ولن أتركك قلتها في نفسي ، واعلنت بصوت لا تشوبه شائبة، اعتبريني منذ اليوم ابنتك ، فأنا لن أفارقك،..
قرار خطر ببالي فجأة لأترك كل مشاكلي خلف ظهري، بيت أخي وزوجة اخي القاسية، والفوضى العالقة بسفل افكاري...
سادفنها مع ذكرياتي في ذلك القبر الذي أغلق للتو وسأعلن عصياني...
أردفت...
هل تقبلين بي بنتا ياخالة فوزية...
مدت يدها نحوي ، فنفضت عن كاهلي كل وسوساتي وأمسكت بها...
تمت
ريم محمد
سورية

. . . انا والمولد . . . محمد فاروق عبد العليم / مصر


 . . . انا والمولد . . .

كنت اسير ليلا في ليلة حالكة السواد شديدة البروده لا ادري الي اين اتجه او اسير شد انتباهي اضواءا مبهرة اتجهت نحوها علني اجد ضالتي او اجد من يؤنس ليلتي او اجد الدفئ في هذا المكان حتي اقتربت منه وجدت نفسي ادخل رغما عني واجلس في زاوية تكشف لي ارجاء المكان وسط جموع هائلة من البشر مختلفي الاعمار والاجناس وجدت نفسي داخل ما يسمي حلقة ذكر او مولد او احتفالا من نوع خاص وجدت منشدا معه فرقة موسيقية يعزفون علي الطبلة والرق والعود والناي الحزين والات موسيقية اخري
وجائني رجلا لا اعرفة قال لي تفضل انت ضيفنا اليوم بعدما عرف انني غريب عن المكان دخلت وسط الجموع الغفيرة وهي تتمايل يمينا ويسارا وللامام وللخلف وهم يشعرون بسعادة غامرة لا استطيع تحديدها فهم مع اعباء الحياة وضغوطها يريدون ان يتخلصوا منها ولم يجدوا غير هذا ما يسمونه ( ذكر ) فهذا نوع من الرقص المحترم بعض الشئ يفرغون من خلاله الطاقات الكامنة والكبت المتولد من الحرمان الذي يعيشوه هو تفريغ لطاقات تكاد ان تسبب لهم الاما واحزان حتي تساقط البعض مغشيا عليه بعد مجهود مضني وبعدما استنزف كل طاقته في ذلك حتي اقترب الفجر ان يلوح في الافق انصرف الجميع لكني ظللت احدث نفسي واتسائل هل هذا ظاهرة صحية ام هو لهوا ولعب ونوع من الفنون المقبول لدي الناس والتي تجد غضاضة في الرقص في الافراح والمسرات ام ان الشيطان تملكهم وسيطر علي عقولهم ولم يجدوا غير ذلك
محمد فاروق عبد العليم
مصر

فنتازيا ألالوان هيثم محسن الجاسم / العراق


 فنتازيا ألالوان

منذ عدة أيام ، تصبغ العاصفة الرملية الفضاء بلون أصفر غامق ، أوصتني زوجتي أن أشتري ستارة للنافذة . في المعرض ، وقفت أتأمل ألوان الستائر من اللون الفاتح إلى اللون الأدكن ، أي من الأبيض والأصفر إلى البني مرورا بالأزرق السمائي والأحمر الماروني والأخضر والشذري والذهبي وألوان اخرى مجتمعة في ستارة واحدة موزعة على القماش بأشكال عديدة وخطوط وورود وحيوانات وأشكال هندسية ، دوائر ، مستطيلات ، مثلثات ومربعات ...هذه ليست المرة الاولى التي كلفت بها بشراء ستارة ، ولم ألتزم بلون معين في كل مرة ، هذه المرة لم أتوقف طويلا أمام الستائر المقلمة بالألوان التي احب ، بل توقفت أمام ستارة خطوطها متعرجة كالأفعى ، مرسومة على خلفية بنية اللون مثل صحراء مجدبة .تذكرت أن زوجتي أرادتها من القماش السميك حتى تمنع الغبار من الدخول وتقي الأجهزة والافرشة والصور من الغبار المتراكم صباح هذا اليوم كنت مضطربا ، معبأ بالضجر ، سئمت التطلع طوال النهار إلى البضاعة المتكدسة في دكاني ، وخلو صندوق الدخل من الاوراق النقدية ، وعجزي عن تسديد النفقات المتزايدة للأسرة من جراء الأخبار التي تترى عن قرب اندلاع الحرب وأستنزفني شراء المواد الغذائية والوقود لتلافي المأساة الناتجة من ان تطول الأزمة . جشع التجار رفع الأسعار لما فوق قدرتي أضعاف المرات ، هذا الاستنزاف أشعل أتون الحرب في داري وكياني قبل وقوعها بالفعل .-أرجوك ، اقطع لي ستة أمتار .تأملت زوجتي الستارة بأستغراب وذهول ثم حدقت بوجهي وسألت بتعجب ظاهر :
- من أختارها ، أنت ؟
أجبت فورا : أنا .. أنا .
أنتصف النهار وأزداد لمعان رمال العاصفة ، وأكتحلت الوجوه بصفرة باهتة ، بدأت الزوجة بفك طيات الستارة ، وشدت من جهة تاركة الجهة الأخرى كي أحملها إلى النافذة . أصطبغت الغرفة بلون أصفر زاد من صفرة الوجوه والأشياء والفضاء وأحسست أن الخطوط المتعرجة ثعابين تتسلل إلى أرضية الغرفة ، أثارت الفزع والخوف في نفسي ، تقلص جسدي وأقشعر من دبيب الافاعي وأنفلتت الستارة من أصابعي على الارض ، وترنحت على الاريكة صائحا بزوجتي : سأعيدها إلى المعرض. شعرت أني أتقيأ أحشائي وصحت بصوت حاد : أزيليها بالله عليك. نظرت لي باستغراب تام واحتارت بأمري ، سكتت وجمعت الستارة من الأرض وأعادتها إلى كيس النايلون اللدن .عصرا سمعت نشرة الاخبار عبر المذياع قبيل مغادرة المنزل إلى السوق ، أهم خبر في النشرة ، أن الاصوات التي تشجب الحرب في أوربا وأمريكا أقتربت من جدران البيت الابيض فخلفت شقا بين الامم المتحدة والحكومة الامريكية ، حتى يرتق هذا الشق لابد من مرور شهور حتى يلتئم . دبت النشوة في بدني وزادها ألقا ، الاشراقة المتلألئة على وجوه الناس . فانبسطت روحي ، أعدت الستارة إلى المعرض وأخترت اخرى. رجعت إلى البيت عند المساء ، أستقبلتني زوجتي عند الباب ، تناولت الكيس المنتفخ بقطعة القماش . فرشت الستارة على الارض وأبتسمت ثم طلبت مني حمل طرف وسحبت الطرف الاخر وسارت به نحو النافذة ، لقد أنشرحت نفوسنا من اللون السمائي الصافي وتلألأت النجوم الكبيرة المرصعة للستارة ، وتحرك الأزهار المتفتحة المطرزة للحافة السفلية المتدلية .سعدت لأن زوجتي سرت بمطابقة الستارة للمواصفات المطلوبة التي أرادت .وتساءلت : من اختارها ؟ أنت ؟ قلت وبثقة : أنا .. أنا .
قلبت رأسها إلى اليمين والى اليسار وهي تنظر في عينيّ . وقالت : تأكد لي ، أنك مضطرب، وتحتاج إلى الراحة ، ولابد أن تبتعد قليلا عن البيت وتتخلص من حلقة الروتين الخانقة . واقترحت أن نقوم بسفرة للأستجمام .. فوجدت أن الفكرة رائعة فأومأت موافقا .
هيثم محسن الجاسم / العراق

"ديسمبر وآهاته..!" بقلم:يعقوب ولد الصافي البلد: موريتانيا.


 قصة قصيرة تحت عنوان:

"ديسمبر وآهاته..!"
...في ليلة ظلماء وشتاء قارس،حين كان القلب يسرق إحدى نظراته العابرة، نحوَ من سكنت بين أضلاعِ القلب موحشاََ إياها بين أرصفة الخيال مُرسلاً آهاته تترا حنين الشوق والأسى وضنكِ الغربةِ إلى أسطورته في جنوب الدنيا،ريثما كان يؤنبه الضمير صدى الحبيب،فإذا ب-هدهد"يهدهدُ" ويناغي -أيا ديسمبرَ تمهل تريث فلم نلبث منك إلا ليالٍ معدودةٍ-بنسيم الود والحلم والأناة حاملا معه كومةً من الألمِ واليأسِ في ليلة ديسمبرية حالكة تُرتِلُ أما آن ل-ديسمبرَ أن ينتهي.؟!
ذهب ديسمبرَ وآهاته وأصبحت جيوش الأشواق تقرع طبل الفراق والحنين ليس إلا..!
بقلم:يعقوب ولد الصافي
البلد: موريتانيا.

المكيدة عبدالباسط تتان / سوريا

 


المكيدة
صلاح رجل قد تجاوز الأربعين بعدة سنوات، كان ثريا يمتلك شركة يمارس فيها عمله بكل نجاح، وكان نشيطا ولكنه اتخذ قراره بعدم الزواج، بسبب مايراه من نزاعات بين الأزواج من خلال أقاربه وأصدقائه، ومن صفاته أنه لايحب المشاحنات والمشاكل، كان يعشق الهدوء.
فشلت كل محاولات أصدقائه وأهله لإقناعه بالزواج، وكان له صديق مقرب جدا منه اسمه أحمد، لم ييأس من الحديث اليه بأمر الزواج، يقابله صلاح بالرفض الدائم، ولذلك فكر أحمد باللجوء الى الحيلة، كانت له قريبة أرملة ولديها إبنة عمرها ستة عشر عاما تدعى وفاء، فاتحها بموضوع الزواج من صديقه ولكنها رفضت فقالت: اريد ان أضمن مستقبل ابنتي، فقال لها: ان صديقه عمره بالأربعين وهو ذوأخلاق راقية وثري هل تزوجينها له، رفضت الأم ففارق السن كبير، ولكن الفتاة الصغيرة والجميلة راقت لها الفكرة، فاتفقت مع أحمد بأنها توافق على الزواج، فروى لها ظروف صديقه بأنه رافض للزواج وعليهم أن يجدوا طريقة لإقناعه.. وضعوا خطة مناسبة وبدؤوا بحياكة الشبكة للإيقاع به.
بينما صلاح جالس بمنزله يطالع في كتاب رن جرس الهاتف، تناول سماعة الهاتف؛ ألو... جاءه صوت رقيق جميل كيف حالك، رد عليها؛ الحمد لله من تريدين، أريدك أنت الأستاذ صلاح، استغرب من هذا الأمر لأنه كل عمره كان يبتعد عن كل ماهو أنثى.. استدرك الأمر، وماذا تريدين مني، ردت عليه أريد أن أقابلك فأنا معجبة بك، فقال لها ليس لدي وقت لهذه التفاهات.. وأغلق سماعة الهاتف.
بعد حين كررت وفاء الاتصال بصلاح وبدأت تشغل حيزا من تفكيره وبقي الأمر على هذا المنوال حتى بدأ النوم يهجره.
تطورت الأمور وبدأ يطلب لقاؤها وهي تماطل، وبعد أن تأكدت من أنه وقع في شبكة الحب لاسيما هي أيضا أحبته وعشقته حد الثمالة لأنه كان أنيقا بحديثه، وأخيرا تحدد موعد اللقاء.
وفي مكان الموعد انتظر بشوق حبيبته التي سيراها للمرة الأولى... بعد لحظات طلت فتاة صغيرة بضفيرة، كانت تبدو رائعة الجمال وقد لفت نظره جمالها الأخاذ وبراءة وجهها، ولكنه لايأبه لها فهي صغيرة جدا، وكانت المفاجأة الكبرى له أن مدت يدها وسلمت عليه، واذ نفس الصوت الذي يسمعه على الهاتف، تشتت تفكيره لبعض الوقت من هول المفاجأة ولكنه رد عليها السلام، ودعاها الى مقهى قريب.
لازالت الدهشة والاستغراب تسيطران عليه ويتبادل معها أطراف الحديث وهو رافض لها لفارق السن الكبير انتهت الجلسة وقال لها هيا اوصلك الى منزلك ياصغيرتي، وبحركة سريعة فكت ضفيرتها وقالت؛ انظر الي هل لازلت صغيرة، التفت اليها فوجد أنثى رائعة الجمال دون أن يكون هناك أثرا لمساحيق الزينة، دون وعي احتضنها وقال لها أحبك.
وكانت لدى وفاء وأحمد مشكلة اقناع والدتها بهذا الزواج، وبعد جهد جهيد استسلمت الأم لرغبة ابنتها حين رأت بأن صلاح يستطيع أن يؤمن لها متطلباتها التي لاتستطيع هي تأمينها لها، ويجعلها سعيدة..
تمت مراسيم الزواج وبعد نهاية الحفل ذهبوا الى عش الزوجية ولكن وفاء أبت إلا أن تقول له الحقيقة قبل أن يبدؤوا حياتهم الزوجية، لأنها تريد أن تبدأ حياتها بصدق، وعندما أخبرته بحقيقة الاتفاق بينها وبين صديقه أحمد الذي لم يظهر بالصورة أبدا، اصابه الذهول من هذه المكيدة ولكنه بدأ يردد وهو يضحك ضحكة شبه هستيرية ولكنه سعيد جدا.. لقد وقعت الفأس بالرأس.... لقد وقعت الفأس بالرأس...
ضحكا معا وكانا من أسعد الأزواج.
عبدالباسط تتان/سوريا

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة